القطاع الزراعي دخل مرحلة الموت السريري!
القامشلي: هديل سالم
بلغت مساحة الأراضي الزراعية في منطقة الجزيرة السورية بين مروية ومزروعة هذا العام، أكثر من مليون و800 ألف هكتار، منها مليون و200 ألف هكتار كانت مزروعة بعلاً، بينما بقيت 300 ألف هكتار فقط مروية على الآبار والمياه الجوفية.
وبلغ إنتاج مناطق الإدارة الذاتية من محصول القمح 900 ألف طن تقريباً عامي 2019 و 2020، منها 600 ألف طن كمخزون للبذار وصناعة الخبز، أما موسم هذا العام وبحسب تقديرات خبراء اقتصاديين ومسؤولي الإدارة الذاتية سيكون ثلث إنتاج كل عام، بعد خروج المساحات المزروعة جراء انخفاض كميات الأمطار الموسمية، والتي باتت مرعى للأغنام، وتحولت لمساحات جافة تنذر بعام قاسٍ، الأمر الذي سيزيد حاجة سوريا إلى شراء القمح، ما يعني غلاء أسعار الخبز، وتفاقم أزمة الرغيف.
وتخضع الجزيرة السورية إلى نفوذ الإدارة الذاتية وجناحها العسكري (قوات سورية الديمقراطية) (قسد) المدعومة من تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية. ولدى حديثه إلى مجلة (طلعنا عالحرية) يقول سلمان بارودو رئيس هيئة الزراعة والاقتصاد بالإدارة عن الخطط الاستراتيجية التي وضعتها الإدارة لإنقاذ العجز في القطاع الزراعي من خلال: “تأمين كافة المستلزمات الزراعية للفلاحين والمزارعين من بذار وأسمدة ومحروقات بأسعار مدعومة تنافس سعر السوق، خاصة محصول القمح كون هذه المادة من دعائم الأمن الغذائي”.
وعن الإجراءات الإسعافية التي قدمتها الإدارة لاستدراك تلف القسم المروي من المحاصيل، يضيف: “سنقدم المحروقات بزيادة سقوتين عن الموسم السابق”.
وكشفت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو” في تقرير صدر عنها نهاية العام الماضي، أن سوريا باتت تنتج من القمح ثلث الكمية مقارنة مع إنتاج القمح في عام 2019 والذي قدر بنحو 2.2 مليون طن مقابل 1.2 مليون طن لعام 2018، بينما قدر إنتاج سوريا من القمح قبل عام 2010 بنحو 4.1 ملايين طن.
ويهدد الجفاف هذا العام إنتاج القمح في سوريا عموماً، وفي منطقة الجزيرة بشكل خاص. وحمّل السياسي الكردي “أكرم حسو” والذي شغل رئيس المجلس التنفيذي لإقليم الجزيرة لعدة سنوات، المسؤولية كاملة على كاهل الإدارة الذاتية: “بسبب عجزها عن دعم القطاع الزراعي ودخوله مرحلة “الموت السريري””، بحسب وصفه لمجلة (طلعنا عالحرية).
داعياً سلطات الإدارة بضرورة دعم المساحات المروية المزروعة بمحصول القمح، “ورفع سعر شراء القمح لعتبة 50 سنتاً لتعويض التكاليف والخسائر التي يتكبدها المزارع”.
إذ وصل معدل هطول الأمطار هذا العام بشكل نسبي إلى ما يقارب 140 ملم، وهي كمية غير كافية لإنتاج موسم زراعي جيد، بينما كانت معدلات هطول الأمطار في الأعوام السابقة 400 ملم، حسب إحصائيات هيئة الزراعة.
وتحولت سوريا من دولة مكتفية ذاتياً بالقمح والخبز إلى دولة جائعة تقترب من مستويات الفقر المدقع، بعدما دمرت ثروتها الزراعية والحيوانية. ووفق إحصاءات منظمة الصحة العالمية: يعيش أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر.
وكان الآلاف من الفلاحين والعمال المياومين يكسبون عيشهم من خلال العمل في المواسم الزراعية، في سقاية وجني المحاصيل، ومنها العطرية والبقوليات والعمل في التعبئة والنقل، أو كعمال وسائقين للحصادات الزراعية.
وفي المقابل، كان لسوء الواقع الزراعي أثره السلبي على الصيدليات الزراعية أيضاً، وضعف الطلب على شراء أنواع من الأسمدة والمبيدات، واقتصاره على كميات محدودة للمحاصيل المروية.
يقول المهندس الزراعي “محمد فتاح” لمجلة (طلعنا عالحرية): “كان من الممكن تدارك خسارة المواسم الزراعية لهذا العام، لو بذل جهد إضافي لوضع خطة استراتيجية بعيدة المدى، وتخزين كميات من المياه خلف السدود، والاستفادة منها خلال سنوات الجفاف”، ومن الأسباب التي زادت من احتمالية تهديد الأمن الغذائي للمنطقة، ويضيف فتاح: “توجه المزارعون في السنوات السابقة إلى زراعة الأنواع العطرية والطبية كـ(حبة البركة، اليانسون، الكمون، الكزبرة) والتي تحدد قيمتها بالعملة الأجنبية، وبالتالي الابتعاد عن المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والشعير”.
وبشتى الوسائل حاول المزارعون إنقاذ المحاصيل من الجفاف، ومنهم من اضطر لتشغيل الآبار الارتوازية، وتكبد خسائر مالية لن يعوضها بيع المحصول، ويعزو فتاح السبب إلى: “عدم سقاية المزروعات البعلية بعد رشها بالمبيدات خلال فترة وجيزة”، وعبر عن أمله أن تكون المساحات المروية طوق النجاة للقطاع الزراعي.
أما سلمان بارودو المسؤول بالإدارة الذاتية فأكد أن الأخيرة ألقت على عاتقها تسهيل كافة إجراءات إنشاء معامل ومصانع لتدارك خسارة هذا الموسم، من معامل الأعلاف ومحالج الأقطان، أو أي منشأة زراعية ذات جدوى اقتصادية، واختتم حديثه: “نعمل وفق الإمكانيات الموجودة وتسهيل كافة المواد المستوردة في سبيل تطوير القطاع الزراعي”.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج