Site icon مجلة طلعنا عالحرية

سوريون على الهامش!!

سامي الساري

قد يوحي هذا العنوان إلى فئات وشرائح كبيرة من المجتمع السوري، فالكثير من السوريين والسوريات طوال خمسة عقود كانوا يعتبرون أنفسهم مهمشين أو جرى تهميشهم بحكم أنهم يعيشوا في عهد أبشع سلطة ديكتاتورية واستبدادية عرفتها البشرية، متمثلة بفترة حكم نظام الأسد الأب والابن، ومع انطلاق الانتفاضة في آذار- مارس 2011 بدأ هذا الشعور بالتبدد والزوال وأن السوريين والسوريات لن يقبلوا أن يتم تهميشهم بعد الآن، إلا أن هناك فئة وشريحة من المجتمع السوري قد تم تهميشها من قبل النظام وحتى من قبلنا كسوريين خرجوا ضد الظلم والفساد، فطوال الست سنوات الماضية لم يلتفت أي أحد منا إلى معاناة سكان البوادي والذين لا يزالوا بعيداً عن أذرع الحضارة بسبب عدم اتخاذ سياسات اقتصادية وتنموية ناجحة في السابق، وبسبب ظروف الحرب التي تمر بها البلاد في الوقت الحالي، فما هي ظروف سكان البوادي قبل الثورة؟ وبماذا أثرت الحرب عليهم؟ وما هي الظروف التي يعيشونها الأن؟

ظروف سكان البوادي قبل الثورة

تهميش متعمد لسكان البادية وسياسات حكومية فاشلة ومليارات سرقت تحت مسمى تنمية البادية”.

يقول خلف الجدعان أحد سكان البادية في دير الزور معرفاً عن نفسه: “ولدت في سنة الربيع الأولي و -للعلم- إن سكان البوادي لا يعتمدون التاريخ الميلادي ولا حتى الهجري، بل يستبدلونها بأخرى كالقول: (السنة التي مات بها فلان، سنة الجوع، سنة الربيع، سنة الحالول، سنة المحل، …الخ) ولكل منها دلالة راسخة ومحفوظة تلقائياً في العقل الجمعي، وتتناقلها الأجيال تباعاً..”، بالعودة إلى حديث الجدعان: “أعيش هنا مع أفراد أسرتي البالغ عددهم ستة وثلاثين شخصاً بمن فيهم والدتي العجوز التي تقضي معظم أوقاتها في النوم بسبب كبر سنها، ونعيش هنا بغير إرادتنا؛ فالزراعة الخفيفة وتربية قطعان المواشي هي مهنتنا الأساسية، فنحن نتحمل برد الشتاء وحرّ الصيف من أجل أن نعيش، ولأننا نعتمد بالدرجة الأولى على النساء في كل شيء فإننا نتزوج من أربعة نساء أو أكثر! فهنّ من يقمن بالرعي أحياناً وحلب المواشي وصناعة السمن والجبن وحصد المحاصيل الزراعية وتربية الأولاد وخياطة بيوت الشعر التي نسكن بها أثناء رحيلنا إلى مكان آخر.. في السابق كنا نستطيع أن نرعى في البادية في كل مكان إلا أن (الحكومة) في السنوات الأخيرة بدأت بمنعنا من الرعي بحجة أنها تقوم بإنشاء محميات طبيعية ومراعٍ، فقامت بمنع الرعي تحت مسمى زيادة الغطاء النباتي. فزرعوا بعض النباتات على أطراف الطرقات وفي الواجهات وتركوا الباقي، وقد كلفت مليارات الليرات”.. يتساءل الجدعان: “كتبوا على الورق بأنها محميات ومراعٍ طبيعية، وفي الوقت نفسه منعوا الأغنام من الدخول إليها، فلماذا أطلقوا عليها اسم (مراعي)؟! فنضطر لشراء الأعلاف والأدوية البيطرية من السوق السوداء، وتكون باهظة الثمن أو بتقديم عدد لا بأس به من الأغنام لدوريات (الحكومة) مقابل السماح لنا بالرعي لساعات محدودة في هذه (المراعي) فأين سنذهب؟ ولا أحد يلتفت لنا أو يقدم لنا المساعدة أو تعويضات ريثما ينتهي مشروع (المحميات)” يتابع الجدعان سرد معاناتهم: “أولادنا لا يتلقون التعليم أو اللقاحات، وهذا إهمال متعمد فنحن لم نعد نرحل من مكان إلى آخر كما في السابق، فيوجد لدينا تجمعات مأهولة بالسكان نرحل منها في فترة انقطاع الأمطار، لكننا نعود إليها، أي أننا نصف مستقرين.. فهم أي (الحكومة) لا يهتمون بنا إلا في صفقات تصدير الأغنام حيث يشترونها منا بأبخس الأثمان ويبيعونها بالمقابل بأسعار مرتفعة للدول الأخرى عبر التجار المتنفذين والمرتبطين بهم”.

أوضاع سكان البادية في الوقت الحالي:

استغلال الحواجز للشاحنات التي تنقل الأغنام.. تدخل تنظيم داعش في حياتهم.. يأس واستسلام للواقع”.

“100 ألف ليرة سورية ثمن (الترفيق) عن كل شاحنة تحمل الأغنام” بهذه الكلمات أبدى أحد سكان بادية تدمر ويدعى أبو صالح استغرابه لهذه الظاهرة، وقال أبو صالح عن الترفيق: “هو مصطلح يستغل حاجة الناس؛ وهو عبارة عن سرقة (عينك عينك) وحواجز الجيش السوري المنتشرة على طريق أثريا – خناصر- السلمية هي من اخترعت هذا المصطلح، ويعني أن يعطي صاحب الأغنام مبلغاً من المال مقابل عدم تعرض حواجز الجيش له. ومن المعروف أن هذا الطريق هو الشريان الحيوي للتنقل بين مناطق البادية السورية. والترفيق أيضاً يشمل شحن البضائع والمواد الغذائية والأعلاف.. الخ، وهذا ما يفسر ارتفاع أسعار كل أنواع السلع”، يتابع أبو صالح قائلاً: “ليس الترفيق هو المشكلة الوحيدة فأجور الشاحنات قد ارتفعت إلى أكثر من 10 أضعاف ما كانت عليه في السابق، بالإضافة إلى وجود قطاع الطرق واللصوص والشبيحة، وهم كالمنشار” كما وصفهم أبو صالح الذي يتابع: “هذا عدا أن تكلفة سقاية الأغنام أصبحت مرتعفة جداً”، ويختم أبو صالح حديثه أنه في حيرة كبيرة من أمره: “أكاد أن استسلم للواقع وأبحث عن مهنة أخرى، فتربية الأغنام في هذا الزمن أصبحت من شبه المستحيل، وما كان ينقصنا إلا تنظيم داعش لتكتمل معاناتنا، فهم موجودون في البوادي كالنمل، بل وساهموا بتغيير نمط حياتنا، فهم لا يسمحون للنساء بالخروج في المراعي إلا (باللباس الشرعي) وهذا أمر لم نعتد عليه من قبل! بالإضافة إلى الطريقة المستفزة بأخذ الزكاة؛ فهم يأخذونها عنوة، بالإضافة إلى تجنيد أبنائنا في صفوفهم وتهريب الأغنام إلى الدول المجاورة”. وتعتبر الأغنام السورية من أجود أنواع الأغنام في العالم، ويحذر أبو صالح أن “مهنة تربية الأغنام ستتلاشى وتختفي إذا ما استمرت على هذا الحال؛ فالعديد من أقاربي قد باعوا أغنامهم وامتهنوا نقل النفط الخام عبر الصهاريج الكبيرة، وأغلب الظن أنني سأفعل مثلهم”

 

Exit mobile version