قراءة حواس محمود
كتاب مهم للمفكر الدكتور أحمد برقاوي صدر حديثاً عن موقع أورينت نت بعنوان “سورية في لاءات الحرية” يتحدث فيه عن ثورات الربيع العربي عامة والثورة السورية خاصة، ويفرد لها فصولاً عديدة، لشرح الالتباسات الفكرية والايديولوجية والمسلكية التي رافقت وترافق مسيرة الثورة السورية وقوى المعارضة والنظام السوري، ويحدد نقاطاً لكيفية تجاوز الشعب السوري ما يعيقه عن استكمال ثورته المباركة.
يرى المؤلف أن سوريا مجتمع الشرارات وهو مجتمع الهشيم بكل أنواعه؛ الهشيم الذي تراكم عبر عقود من الزمان والعماء السلطوي – الجاهل بالتاريخ – كان ينظر إلى تراكم الهشيم على أنه نوع من الاستقرار والاستسلام المطلق من قبل البشر لواقعهم ، لم يسمح العماء السلطوي للسلطة أن ترى الاستنقاع الجاهل لأنها ما كان لها أن تميز بسبب عمائها التاريخي بين الاستنقاع والاستقرار.
ويتحدث المؤلف عن الجماعات العصبية التسلطية واختلافها بين قطر عربي وآخر، وبخاصة في الأقطار التي حدثت فيها حراكات الربيع العربي. وفيما يتعلق بالنموذج السوري للعصبية التسلطية والذهنية الحاكمة يراها المفكر البرقاوي أنها مختلفة عن العصبية التسلطية اليمنية والمصرية والتونسية والسودانية والليبية؛ حيث تكونت الجماعة التسلطية بالتدريج منذ عام 1963 لتصل إلى عام 1970، عصبية قوامها الطائفية التي بدورها تطورت في فترة طويلة من الزمن لتخلق ذهنية الطائفة التسلطية، ويراها أنها أعقد من العصبيات التسلطية الأخرى.
يقول المؤلف أن سوريا بعد تجربة الاستبداد الطويلة لا يمكنها أبداً أن تتحمل استبدادا من نوع آخر، كما أن القوى الأصولية العنفية صورة مشابهة للجماعة الحاكمة وميليشياتها المحلية والمستوردة. وسوريا لا يصلح لها نظام سياسي إلا النظام الذي يقوم على الاعتراف بالتنوع والحق في التعبير عن هذا التنوع، الدين الشعبي السوري لا علاقة له بالسلطة الدينية، السلطة الدينية لا دخل لها بحياته وعلاقاته وتجارته وعاداته وأفراحه وأزيائه وحبه للحياة.
ويصل المؤلف إلى خلاصة متمثلة بقوله: “ولهذا فالتفكير بمستقبل سوريا يعني التفكير باستعادة ماهية سوريا التي دمرها الاستبداد الغريب عن روح السوري”، ويرى أن الاحتلال الروسي لسوريا لم يأت كرمى للون عيون بشار الأسد، وكذلك الاحتلال الإيراني والتركي والأمريكي، وأن القرار السوري المستقل لن تنجزه إلا حركة سورية مستقلة تلقى التأييد الشعبي العربي والعالمي، وتغدو نداً وليس أداة لهذا أو ذاك.
ويرى أن “الصراع على البلاد “ أي سوريا، كان ومازال يحتاج الى أطراف داخلية تكون جزءاً من “قوى الصراع الخارجي تلبس قناع الصراع من أجل البلاد” ودول النفوذ كلما رأت حالة “صراع من أجل..” تدخلت كي تمنع الإرادة الداخلية من الاستقلال، هذا الأمر يؤكده ما حصل ويحصل في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق.
ويشير المؤلف إلى أن دولاً تدخلت في محاولة إجهاض الثورة السورية كإيران وروسيا والصين لأنها كانت ثورة من أجل سوريا، فحولت الوضع إلى الصراع على سوريا، وتدخلت دول أخرى أيضاً لإشعال هذا الصراع متمثلة بأمريكا وتركيا، وفي الوقت الذي كانت فيه القوى الديموقراطية تبحث فيه عن دعم لها من أجل سوريا كانت القوى الميليشياوية تعمل من أجل المطالبة بالدعم لها بمنطق الصراع على سوريا، لأن الثورة من أجل سوريا هي خطر على كل الأطراف التي تفكر وتسلك وفق منطق الصراع على سوريا.
وفي فصل بعنوان “سورية وسلطة الوهم المسلح” يتحدث المؤلف عن أن سوريا اليوم تشهد نمطين من العنف يمارسان التدمير بكل أشكاله، وأن هناك نوعين من الوهم 1-عنف الوهم السلطوي 2-عنف الوهم المقدس؛ فحين انتصرت المصادفة التاريخية المزعجة وانتصرت مؤسسة عسكرية ضعيفة الولاء، ذات إرث فلاحي طائفي ثأري، يقدس السلطة، وليس في ثقافتها إلا فكرة القوة المطلقة، تولد لديها الوهم بأنها قادرة على تجميد حركة التاريخ عبر القوة المسلحة، واستخدامها في أشد أشكالها همجية. ويضيف المؤلف قائلاً: “ولقد اعتمل هذا الوهم سنين طويلة في ذهن الحلقة الحاكمة وأشياعها، وإنتاج وهم كهذا خلق حال استرخاء وطمأنينة وفجور في الممارسة السلطوية، ووهم تجميد التاريخ مرض عضال عند جميع الدكتاتوريين الحقيقيين أو أشباه الدكتاتوريين، والمشكلة أن البرء من الوهم السلطوي هذا عملية صعبة، ولهذا ما إن كسر الواقع، واقع الهبة الشعبية هذا الوهم حتى جرد الوهم قواه دفاعاً عن بنيته المترهلة والتي لن تعود إطلاقاً، فكانت مأساة القتل والتدمير والتعذيب”.
ويحدد المؤلف ثابتاً واحداً ويجد فيه أنه يجب أن يكون مشتركاً عند أطياف المعارضة، وهو الرفض المطلق لبقاء الجماعة الحاكمة ورأسها، لأن حجم الجريمة التي ارتكبتها لا مثيل له في تاريخ الشعوب، والرفض المطلق لجبهة النصرة التي قضت على إمكانية تحول الجيش الحر إلى قوة فاعلة في تحديد المصير، ولأنها حركة نكوصية لا علاقة لها بمفهوم الدولة المعاصرة، وإنتاج عقل يفكر على هذا النحو يعني بالضرورة إنتاج جبهة سوريا موحدة حول الأهداف الكبرى.
وفي فصل بعنوان “قطاع طرق التاريخ مرة أخرى” يشير البرقاوي إلى أنه في التاريخ هناك قطاع طرق داخليين وخارجيين، وبالنسبة لسوريا التي اشتعلت فيها ثورة شعبية كبرى لتحقيق الحرية والعدالة والكرامة فإن النظام قطع الطريق أمامها واستجلب قطاع طرق إقليميين كإيران وعالميين كروسيا، كما أن قطاع طرق آخرين دخلوا على الخط كأمريكا وتركيا، ناهيك عن قطاع طرق الإسلاميين كداعش والنصرة وهما الأخطر من بين قطاع الطرق المذكورين آنفا.
كتاب البرقاوي كتاب فكري قيم غني بالإشارات والحيثيات والتحليلات الفكرية العميقة، ودحض لمقولات السلطة عن الثورة والثوار، وهو يدافع عن الثورة كمسار تاريخي لابد منه للقطع مع ثقافة الفساد والاستبداد، نحو مجتمع الحرية والكرامة والعدالة والتنمية.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج