Site icon مجلة طلعنا عالحرية

سلطتنا الرابعة بلا صلاحيات! / نبيل شوفان

كاريكاتير هاني عباس

لا شك أن الإعلام ومهامه في الدول النامية يختلف عنه في الدول المتقدمة بنفس القدر الذي يختلف فيه إعلام الحرب عن إعلام السلم، ويلعب الإعلام دور القائد في المجتمعات الحديثة؛ فهو يوجه الرأي العام ولا يتبعه، بل ويهيمن على الفرد (في فرنسا مثلاً تؤثر وسائل الإعلام أكثر بخمس مرات من أي طبيب نفسي)، وفي أمريكا يقال إن الرئيس يحكم لأربع سنوات، بينما تحكم الصحافة إلى الأبد.. هذا حقيقي ودليله ثقافة الخوف التي تهيمن على مجتمعات الحداثة وهي طارئة يتم تصنيعها بشكل متعمد في الإعلام حسب ما اتفق عليه عالم اللغويات (نعوم شومسكي) والمخرج السينمائي (مايكل مور)، بدوافع زيادة الكبح الاجتماعي الذي تمارسه السلطات على الشعوب الخائفة؛ تلك الشعوب التي تصبح ميالة للشك بكل شيء، فلا تجد فرصة للتملص من خوفها إلا بالإرتكان إلى السلطات ودعمها بشكل أعمى، والخوف يستمر أحياناً رغم تغير الرؤساء والأحداث والوقائع.

وعن الإعلام الحديث في المجتمعات الحديثة ترى أن انتقائية الأخبار واللعب بالإحصائيات وإهمال الأرقام؛ ثم تحريف المصطلحات أو الكلمات من أجل تحقيق أهداف معينة، والانتهاء بوسم بعض الأفراد أو الجماعات بغير حقيقتهم، كل ذلك ميزة وضرورة سياسية لا يستطيع الإعلام الغربي نكرانها أو التخلي عنها.

وفي دراسة أمبريقية خلص العلماء إلى نتيجة مفادها أن تعرض الفرد المتكرر للتلفزيون ولفترات طويلة ومنتظمة تنمي لديه اعتقاداً بأن العالم الذي يشاهده هو صورة عن العالم الاجتماعي الذي يعيشه، ذلك يتجلى اليوم في طوفان إخباري يفيض بالخوف والذعر من تنظيم داعش الذي سيدمر العالم ويهاجم الغربيين في بيوتهم حسب محترفي صنع الأخبار والمعلومات. وعلى سبيل المثال تجد مقطع فيديو لمقاتل سوري يرفع بندقيته قائلاً (الله أكبر الله أكبر) ليتم إظهاره أمام المتابع الغربي بشكل همجي، ذلك أن المشاهد لامجال له ليكون انتقائياً في مسلسل ذعر متراصّ الحلقات، ولن يعود للبحث عن أهداف وخلفية هذا المقاتل الذي غلّب العنف على العقل والانفعال على المحاكمة (بعين المشاهد الغربي).

من خلال ما سبق نخلص إلى نتيجتين:

الأولى: لم ولن يطلب أي سوري شارك في الثورة التي طالبت بالحرية أكثر من:

النقطة الثانية: أنه في بداية الثورة السورية نجح السوريون في نقل أفضل صورة عن انتفاضتهم بوجه الديكتاتور، ورغم أن الناشطين السوريين كانوا أسرى أجندات المحطات العالمية إلا أنهم اخترقوا آلاف المرات سياسة هذه الوسائل التحريرية، بل أبدعوا في نقل الصورة الحقيقية، فماذا حصل لاحقاً مع ظهور بواكير صحافة وإعلام سوريين خصوصاً؟ وإن حقائقٍ مستورة بدافع الخوف على مصداقية الثورة أو الخوف من قادة الفصائل أو من الجهات الممولة ربما كانت ستغير وجه ثورتنا، ولقد كنا ومازلنا بحاجة ماسة لإظهارها من خلال إعلام مهني صارم يقود الرأي العام لا يتبعه، كما يحصل اليوم في واقع إعلامنا والذي تتلخص اضطراباته بالنقاط التالية:

وأعتقد أن صحافتنا لا تشكو من قلّة كوادر أو نقص في الخبرة، ولكن كل ما سبق هو سطر من بحوث ومجلدات يمكن أن تكون حول سلطة رابعة جُردت من سلطتها، لتحمل وزراً كبيراً في تأخر إسقاط الديكتاتور. ولنتذكر قول المؤلف والصحفي الأمريكي (بوب وودورد) الذي قال إن المأزق المحوري في الصحافة أنك لا تعرف ما لا تعرفه.

Exit mobile version