هاديا المنصور
لم يتوقع المعلم سامر الإبراهيم (30 عاماً) أن يتخلى عن مهنته في التدريس ويتجه للعمل في معمل لكبس البلوك يوماً ما، غير أن صعوبة الحياة وضيق الأحوال المعيشية المصحوبة بقلة دعم المعلمين، وتوقف رواتبهم في كثير من الأحيان دفعته مرغماً إلى ذلك.
“شو جبرك على المر غير الأمر” هكذا عبر المعلم سامر عن استيائه من واقع التعليم في إدلب، والذي أجبر معظم المعلمين على التدريس بشكل تطوعي ودون أجر في كثير من الأحيان/ ما دفعهم للبحث عن مهن بديلة شاقة وخطرة.
بينما يتصبب العرق من جبينه بعد أن بدأ بإعداد الخلطة الأساسية لصنع البلوك، يقول: “رواتب المعلمين قليلة وهي لا تتعدى ما يعادل 120 دولاراً أمريكياً في أحسن حالاتها، هذا إن توفرت، في حين أن الغلاء الحاصل، وخاصة مع تدهور الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، جعلت رواتب المعلمين لا تؤمن نصف احتياجات عوائلهم الشهرية”.
ويتابع: “حين يدخل المعلم صفه لإعطاء الدرس وهو يفكر بكيفية تأمين رغيف الخبز لعائلته، وكيف سيوفي ديونه المتراكمة، ليس كمن على يقين بأنه سيحصل على أجر لائق في نهاية الشهر، وهو ما يؤثر على أدائه وعطائه، ما ينعكس على مستوى التعليم بشكل مؤكد”.
واتجه عدد كبير من معلمي إدلب لمهن متعددة كالبناء والحدادة والنجارة والتجارة وغيرها، لتأمين احتياجاتهم التي لم تكن رواتبهم في السلك التعليمي لتؤمنها لهم.
تأثير على الطلاب!
ولم يسلم الطلاب من نقص دعم المعلمين، حيث اتجه عدد من الأهالي لصرف أبنائهم عن المدارس، بحجة عدم وجود تعليم حقيقي، وبعضهم الآخر ممن يمتلكون إمكانيات جيدة اتجه للتعليم الخاص.
الطالب فؤاد الحج علي (12 عاماً) اتجه للعمالة في إحدى ورش الميكانيك بعد تسربه من المدرسة، فهذا “أفضل من المدارس هالأيام” على حد تعبيره.
ويشرح فؤاد أنه كثيراً ماكان يذهب إلى المدرسة ليعود خالي الوفاض، بعد تغيب المدرسين بشكل متكرر، فيقضي وقته باللعب مع زملائه في باحة المدرسة، ثم ينطلق كل منهم إلى شأنه، ولذا وجد في العمالة مستقبلاً أفضل، فهو على الأقل يؤمن له مصروفه الشخصي، ويكسبه مهنة يواجه بها صعوبة الحياة.
متمسكون بالتعليم.. مع مهنة أخرى
من جهتها لم تشأ المعلمة حليمة السكري (40 عاماً) أن تنهي رحلتها في التدريس، رغم توقف الدعم في كثير من الأحيان، وتقول: “التعليم مهنة مقدسة وعلينا جميعاً أن نتحمل العبء للنهوض به ما أمكن”.
مشيرة إلى الوضع المادي السيئ للمعلمين: “الذين باتوا غير قادرين على تأمين متطلبات عوائلهم، ويعملون بشكل تطوعي، ومع ذلك فهم يقاومون تلك التحديات ما أمكن” كما توضح.
تعتمد المعلمة حليمة على مهنة أخرى غير التدريس، وهي بيع الألبسة المستعملة (البالة) في منزلها بعد انتهائها من دوامها في المدرسة، وذلك بغية تأمين مصروف عائلتها المؤلفة من زوجها المريض بالقلب وأبنائها الخمسة.
مغادرة الصف
أما عن المعلمة صفاء الزعرور (28 عاماً) فهي لم تتردد بمغادرة سلك التعليم والالتحاق بوظيفة أخرى في إحدى منظمات المجتمع المدني، لتعمل كمسؤولة مراقبة وتقييم؛ حيث الرواتب المغرية والدوام الأسهل والأقل عناءً على حد وصفها.
تقول صفاء: “يجب أن نكون واقعيين، فنحن في النهاية بشر وبحاحة لتغطية نفقاتنا ومصاريفنا لنتمكن من أداء مهامنا دون مشاكل، لا شك أن مهنة التعليم هي مهنة إنسانية ونبيلة، ولكن المثالية لا تجدي مع الظروف المأساوية التي يعيشها السواد الأعظم من الناس، في ظل الفقر والنزوح والغلاء”.
وكان معلمو إدلب نظموا وقفة احتجاجية أمام مبنى مديرية التربية في إدلب العام المنصرم، تنديداً بانقطاع رواتبهم. ورغم استمرار احتجاجاتهم لمدة شهرين متواصلين إلا أنهم لم يجنوا سوى وعوداً بتحسين أوضاعهم، مع بقاء الواقع المتردي على حاله.
من جهته أكد الأستاذ محمود الباشا، مدير دائرة التعليم الأساسي في مديرية التربية في إدلب، أن نقص الدعم يؤثر على جودة التعليم ولم يصل إلى المستوى المطلوب، مضيفاً: “يبلغ عدد المدرسين في المنطقة 20 ألفاً، بينهم 5500 مدرس يعملون بشكل تطوعي، وهناك أكثر من 60 منظمة تدعم التعليم في محافظة إدلب، وهو ما يؤدي لتفاوت في أجور المعلمين”.
وفي محاولة لإنقاذ التعليم ومساعدة المدرسين في تأمين رواتب لائقة، أطلق ناشطون في إدلب حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان”ادعموا تعليم إدلب” للمطالبة بتحسين التعليم في شمال غرب سوريا، وشدد القائمون على الحملة على أن التعليم يشكل المفتاح من أجل تحسين ظروف الأطفال، ويقضي على ظواهر العمالة والزواج المبكر والتجنيد، ويسهم بمحو الأمية، وإنشاء جيل متعلم واع ومثقف قادر على النهوض ببلده ومجتمعه.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج