مجلة طلعنا عالحرية

“زوبعة” معرض يوسف عبدلكي في دمشق

لوحاته العارية تعكس صورة الواقع السوري الذي عرى إنسانية العالم..

 غسان ناصر – طلعنا عالحرية

أثار الفنان التشكيلي يوسف عبدلكي زوبعة في أوساط المعارضين لنظام الأسد عامة وفي الأوساط الثقافية والفنية لا السورية فقط وإنما تلك المؤيدة للثورة السورية في الساحة العربية. وأخذ أصدقاء عبدلكي (قبل غيرهم) تقريعه لإقامته معرضًا في قاعة غاليري “كامل” بمنطقة المزة بدمشق، في الفترة ما بين 17 كانون ثاني (ديسمبر) و15 كانون أول (يناير) من العام الجديد، وهو ما لم يكن بحسبان الكثيرين ممن يعرفون (أبو ليلى).

عبدلكي (65 عامًا)، الذي اشتهر بأعماله المنادية بالحرية منذ أوائل السبعينيات، مستخدمًا حصانه الأبيض والأسود الذي عبّر رمزيًا عن نضال الشعب السوري خلال العقود الماضية، لا يحتاج منا إلى دفاع فهو منذ اليوم الأول الذي انتفض فيه أبناء البلد في وجه الطغيان والاستبداد، لم يقف متفرجًا كما لم يكن حياديًا، وكيف لذي “الحصان الجامح” المرتبط بذاكرة السوريين والمظلومين منذ عقود أن يكون متفرجًا أو محايدًا، هو الذي قال ذات محنة: “متى فقد العمل الإبداعي، أو الثقافي عامةً علاقته مع محيطه، يفقد شرعيته وجدواه”.

والمعروف عنه أنه رغم إقامته الاضطرارية في منفاه الباريسي – بعد منعه من العودة لوطنه – نحو 25 عامًا، رفض الحصول على الجنسية الفرنسية، وظل متشبثًا بهويته، رغم حجب النظام السوري عنه جواز سفره، “باريس مجرد قاعة انتظار”، هكذا كان يردد دومًا. ولا شك أن السنوات التي قضاها في المعتقل السياسي في أواخر سبعينات القرن الماضي ( 1978 – 1980) – على خلفية انتمائه إلى “رابطة العمل الشيوعي” التي أصبحت لاحقًا “حزب العمل الشيوعي” – علّمته معنى الانتماء إلى شرائح وأطياف لم يكن يدركها بوضوح قبل هذه التجربة المريرة والغنية في آن.

تباين الآراء في توقيت سوري عصيب..

أول الغاضبين من إقامة صاحب الرؤوس المقطوعة في التشكيل السوري، لمعرضه في دمشق، خاصة في هذا التوقيت السوري العصيب، كان الشاعر والصحفي اللبناني يوسف بزي، الذي نشر مقالة أثارت الكثير من الجدل، ورأى فيها أصدقاء عبدلكي ممن يعرفون تاريخ الفنان “هجومًا غير أخلاقي على رجل عرف بتاريخه النضالي الطويل”، غير أن هذا الهجوم لم يجعل “بزي” يتراجع عما جاء في مقالته المعنونة: (عبدلكي ومعرضه الدمشقي: من أُمّ الشهيد إلى عارية هانئة)، التي جاء فيها: “الريبة كبيرة إزاء ما “اقترفه” يوسف عبدلكي.. بغض النظر عن دوافعه الشخصية. وهو بالتأكيد ليس ساذجًا سياسيًا، وكان يعرف أن النظام سيستثمر هذه المبادرة إعلاميًا وسياسيًا بوصفه نظامًا يرحب بـ”المعارضة الوطنية الشريفة”، وفق رطانته المعروفة. بل إن تلك “العودة” اندرجت ضمن حملة النظام الدعائية لـ(التلاحم الوطني)”.

كذلك عبر الناقد والشاعر مازن أكثم سليمان، عن انزعاجه من إقامة عبدلكي لمعرضه الدمشقي، حيث قال: “من دون مُوارَبة، وبمُنتهى الصَّراحة: لا أريد أنْ أستخدم لُغة التَّخوين، ولا أنْ أمحو تاريخ رجُل أو مُثقَّف أو مُبدع. لكنْ: لي بعض الحقّ أنْ أقولَ بلُغة هادئة: لقد أخطأ يوسف عبدلكي في إقامَتِهِ لمعرضِهِ مكانًا وتاريخًا.. على المُثقَّف في اعتقادي أنْ يحسبها بدقّة مُتناهية في هذهِ المرحلة إذا أرادَ أنْ يكونَ ضميرًا لشعب ولثورة، وصاحب موقف لا ينفصِل فيه الشخصيّ عن الإبداعيّ”.

في المقابل قال الكاتب والروائي إسلام أبو شاكير، معترضًا على ما ناله عبدلكي من اتهامات ذهب بعضها حدّ “التخوين”!، إن “حرب التخوين والطعن والتشكيك وترصد الزلات وتأويل المواقف والأحداث وتضخيم التفاصيل الصغيرة.. هذه حرب نشنها نحن على أنفسنا.. لا علاقة لها بأي مؤامرة.. مرض داخلي ينقلب فيه الجسد على نفسه مهاجمًا إياها.. والنتيجة جثة متآكلة مرمية في العراء دون أن تجد من يتبرع بدفنها”.

من جهته، رأى الكاتب العراقي شاكر النوري، أن “الفنان يعرض لوحاته حتى يتم ايقاف معرضه من قبل السلطة.. كان لينين يقول: إنني أكتب في الصحف البرجوازية حتى يتم منعي من الكتابة. الفنان حرّ لكن المهم هو ما تحمله لوحاته يا أصدقائي”.

ما تحمله اللوحات من مضامين هو المهم إذن، وهذا ما ذهب إليه الفنان السينمائي حنا ورد، الذي كتب مستنكرًا هذه “الهبة الفيسبوكية”، حيث قال: هل يوجد عري وتعري أكثر من هذا في الوطن.. عبد اللكي ومعرضه الدمشقي مع نسائه العاريات.. لفت نظري عدم التطرق إلى شكل ومضمون اللوحات المعروضة في الهجوم والدفاع في معرض عبدالكي”. وأردف: “بعد مشاهدتي جزءاً من اللوحات أرى أن هذه اللوحات تعكس بكثير من المعاصرة الواقع السوري.. إذا كنا سابقًا غير عراة جميعًا فإننا الآن كلنا عراة بالكامل.. اللاجئون في المخيمات الباردة عراة؟، الغرقى في البحار الباردة عراة وموتى، السائرون بين الجبال والأنهار من اليونان إلى ألمانيا والسويد عراة، المطرودون من مساكنهم اليوم في حلب في البرد القارس عراة، وتعرى معهم النظام الإنساني العالمي، كما تعري النظام والمعارضة السورية معًا”.

رغم كل ما سبق من أقوال مع وضد يوسف عبدلكي-قد يكون أقله صحيحًا وأكثره تجنّيًا-، فإن الواجب يدعونا أن لا ننسى أبدًا أن ابن الجزيرة السورية لم يجنح يومًا للعنف رغم تعرضه للاعتقال أكثر من مرة من قبل الأجهزة الأمنية لنظام الأسدين (الأب والابن)، والتي كان آخرها في مدينة طرطوس الساحلية في تموز/ يوليو 2013. وأنه كإنسان مبدع قضى ما مضى من العمر قابضًا على جمرة الإبداع بروح صارمّة متوثبّة، ما زال يواصل دربه كأحد صنّاع الغد السوري المشرق، الذي لا مكان فيه للطغاة والقتلة من حملة السلاح.

 

Exit mobile version