لم يكن يخطر ببال أكثر المتشائمين سواداً أن يصل الشعب السوري في طريقه لنيل حريته إلى لحظة يقارب فيها مأساة الشعب الفلسطيني، التي كانت تُوصف حتى سنوات قريبة بالمأساة الأفظع على مرّ العصور، وأن يُكتب عليه أن يعاني خلال خمس سنوات، كل ما عاناه الشعب الفلسطيني (نوعاً لا كمّاً؛ فالـ كمّ غير قابل للقياس، ولا يعنيني هنا أن أدخل في مقارنة تُفضي لسباق في الوجع– أن يعاني: الذبح، والقصف والتشرد، أن يعاني الاعتقال والتعذيب، أن يعاني الفصل العنصري.. أما الأقسى فهو أن يحسدَ الفلسطيني على ظروف اعتقاله، وعلى تحذير الطيران الإسرائيلي للمدنين قبل القصف.. وعلى السماح بالتصوير وعلى وعلى وعلى..
ولعل المقاربة لا تنتهي عند حدود قسوة المواجهة مع المحتل في القضيتين.. إذ بتنا نرى حركات استيطانية في دمشق والساحل السوري، وتداخل الصراع الديني بطريقة لا مجال لغضّ الطرف عنها في صراع بدأ سياسياً- إنسانياً.. وانتهى بحرب إبادةٍ لا هوادة فيها -مع تفوق نسبي لا يمكن إنكاره لتعامل الصهاينة، قيادةً جيشاً وجمهوراً، على النظام السوري، قيادةً وجيشاً.. وجمهوراً! -وصار الحديث عن حلٍّ سياسيٍّ متلازماً مع الحراك العسكري في جولات كرٍّ وفرّ..
إضافةً لكل ما سبق، فقد دخل المال السياسي، والنفوذ الإقليمي في معظم فصائل المعارضة السورية -مسلّحيها، وسياسيّها- حتى النخاع.. ما يذكر بتشرذم الفصائل الفلسطينية، وتبعيتها للمال السياسي والقوى الإقليمية، وامتدادها على الخارطة السياسية من أقصى اليمين لأقصى اليسار مع امتداد داعميها.. بل إن بعض القوى المحسوبة على المعارضة السورية، والتي تدعو للحفاظ على جيش الأسد، وتتجنب أي معاداة واضحة لحلفائه، من روس وإيرانيين وأدواتهما في ذبح السوريين، تجد هذه القوى تجد نظراء لها في القوى الفلسطينية التي تعمل على التطبيع وقبول آثار الاحتلال السابقة، والراهنة، وربما القادمة!
ما يكمل سوداويّة المشهد وتقاربه حدّ التطابق، هو حالة العماء العجيبة التي تستشري في أنصار القضيتين، إذ نجد في الطرفين ظاهرة عجائبيّة لا أعرف إن شهد لها التاريخ مثيلاً، وهي الاندفاع حتى (البلاهة) في الدفاع عن رموزٍ وأنظمة وسياسيين ومثقفين لمجرد أنهم أعلنوا أو عبروا عن دعمهم للقضية “الفلسطينية أو السورية” حتى وإن كان سلوكهم العام، أو حتى الخاص تجاه القضية، لا ينسجم بأي حالٍ مع جوهر القضية التي يزعمون تعاطفهم معها..
ربما كان اغتيال “سمير القنطار” وردّات الفعل التي رقّته إلى مصاف الخالدين في النضال الفلسطيني، متعامية عن تصريحاته العلنية في الدفاع عن النظام الديكتاتوري الأسدي، بل وعن مكان اغتياله وما كان يفعلهُ نقطةً يجب الوقوف عندها مطولاً لدى جمهور الثورة السورية:
تُرى: كم “سمير قنطار” نقدّس في الثورة السورية وهو لا يقلّ وضاعةً أو نفعيّة عن الـ “قنطار”؟ كم إسفينٌ يُدق بين رموز الثورة؟ أيّ مواقف أخلاقية بعيدةٍ عن الثورة السورية نحتاج لنكتشف معادن الرموز التي نراها اليوم منزّهة عن النقد والمراجعة؟
تلكَ المعايير المطلقة التي وضعناها أو وُضعت لنا كـ تقييم الرجل من هوية قاتله مثلاً!.. ألن تُفضي بنا إلى مطبات إنسانية وأخلاقية كالتي وقع فيها الكثير من الفلسطينين الممانعين، وتيارات أخرى ما زالت تصارع طواحين الهواء؛ كالحزب السوري القومي الاجتماعي والتيارات القومية وغيرها؟ هذه المطبات التي يراها اليوم جمهور الثورة السورية تجرداً من كل معنى إنساني.. ما اليقين الذي نملكه ليعصمنا عن الوقوع فيها؟
شاعر وكاتب سوري، من مواليد ١٩٧٩. ينشر في العديد من الصحف والمواقع العربية. له عدة مخطوطات شعرية لم تنشر بعد. كتب الكثير من أغاني الثورة السورية التي تنتاوب على غنائها مجموعة من الفنانين السوريين والعرب كمنعم عدوان،خاطر ضوا، وائل نور، حارث مهيدي، هيمى اليوسفي، وغيرهم. يعيش في ألمانيا منذ ٢٠١٥ وكتب النسخة العربية من نشيد الفرح لبيتهوفن، كما غنت فرق ألمانية من كلماته بالعربية.