الرقة – عبد الله الخلف
في شارع القوتلي بقلب المدينة تتجول أم فارس (62 سنة) حائرةً بين عربات الخضار، لا تعرف ماذا ستشتري لإعداد فطور اليوم، لا يوجد في جيبها سوى 5000 ليرة سورية، وهذا المبلغ لا يكفي لشراء كيلوغرامين من البندورة!
وبعد جولة متعبة لا جدوى منها اشترت أم فارس الخبز بالمبلغ الذي كان معها، وعادت لبيتها ليستقبلها أحفادها الخمسة خائبين لأنها لم تحضر شيئاً سوى الخبز! وبدلاً من المائدة الكبيرة التي كانت تعدها في السنوات الماضية للإفطار في شهر رمضان، أفطرت أم فارس وأحفادها وزوجة ابنها خبزاً مع الشاي فقط!
إفـطـار بـطـعـم الـقـهـر
تعيش السيدة الستينية مع زوجة ابنها وأحفادها بعد وفاة ولدها الوحيد بمرض عضال، والذي كان المعيل الوحيد لهذه الأسرة، ليصبح رمضان شهراً للمعاناة بالنسبة لهم، تقول أم فارس: “في السنين الماضية كنا نفطر ما لذ وطاب، كان ابني عاملاً، ورغم أن مردوده قليل ولكن كان يكفينا للعيش، أما اليوم فنأكل الفتات ولا نعرف في الغد إن كنا سنأكل أم لا!”.
في اليوم التالي قررت أم فارس الذهاب لأحد المطابخ الخيرية للحصول على وجبة إفطار مجانية، تلثمت بغطاء رأسها خوفاً من أن يراها أحد يعرفها، يعز عليها أن تكون بهذه الصورة بعد أن كانت سيدةً مكرمةً في بيتها.
شهر رمضان بات صعباً على الكثيرين، وأصحاب الدخل المحدود حائرين كيف سيؤمنون مصاريف هذا الشهر، محمد خير (46 سنة) يعمل سائق سيارة أجرة، يتراوح دخله اليومي بين 15 – 25 ألف ليرة سورية، ورغم ذلك فهو يعاني أيضاً!
يقول محمد إنه يستطيع تأمين الأكل للإفطار، ولكنه غير قادر على تأمين أشياء أخرى يشتهيها أولاده على مائدة الإفطار: “أولادي يطلبون مني شراء المعروكة كل يوم، وأتحجج لهم بأن المعروكة في السوق ليست لذيذة! سعرها 10 آلاف ليرة سورية، وأنا بالكاد أتمكن من جلب الخبز وطعام الفطور، أشعر بالقهر وأنا أضطر للكذب على أولادي في الشهر الفضيل!”.
مـبـادرات خـيـريـة
ومع بداية شهر رمضان تنشط العديد من المبادرات الخيرية، التي تهدف لإفطار الصائمين من الفقراء والنازحين، تتنوع تلك المبادرات ما بين مطابخ خيرية، وخيم رمضانية، بالإضافة لفرق تطوعية توزع المواد الغذائية.
مطبخ باب بغداد الخيري الذي ذهبت أم فارس لجلب وجبة الفطور منه، يوزع قرابة 300 وجبة على العوائل الفقيرة بشكل يومي، طابور طويل أمام المطبخ، جميعهم من النساء، تحمل كل واحدة دلواً في يدها بانتظار أن يجهز الطعام.
يقول إسماعيل اللجي المشرف على عمل المطبخ إنهم كانوا يعانون في السنوات الماضية من أجل إيجاد متبرعين، ولكن هذا العام تكفل شخص واحد من الميسورين بتكاليف المطبخ طيلة شهر رمضان. ويشرح اللجي: “المطبخ يعمل طيلة أيام السنة، في الأيام العادية يتم توزيع وجبتين كل أسبوع، أما في رمضان فيتم تقديم وجبة كل يوم، كوننا نعرف معاناة الناس في هذا الشهر، ونرى بعيننا الكثير من الحالات المأساوية” ويضيف: “في أول يوم من رمضان دخلنا على عائلة ووجدناهم يفطرون على صحن زبدة فقط!”.
ومن أشهر المبادرات التطوعية في الرقة هي مشروع إفطار صائم، الذي يستمر للسنة السابعة على التوالي، ومصدر هذه المبادرة كما باقي المبادرات التبرعات من الميسورين في الداخل والمغتربين الذين يعتبرون الأكثر تبرعاً.
وتضم المبادرة العشرات من المتطوعين الذين تتنوع مهامهم ما بين جمع التبرعات وشراء المواد الغذائية، وتجهيزها وتسليمها للأسر المستفيدة، ويقول أحد المتطوعين في المبادرة إنهم يوزعون قرابة 800 سلة غذائية في اليوم الواحد.
موضحاً بأن العدد يرتفع يوماً بعد آخر نتيجة زيادة التبرعات، مشيراً إلى أنهم يستهدفون العوائل التي لا دخل لها فقط بعد أن يتم تقييم وضعهم المعيشي، وهم كثيرون في مدينة الرقة حسبما يقول.
وبحسب عيسى السطم وهو ناشط مدني من الرقة، فإن المبادرات التطوعية الخيرية تناقصت هذا العام، وذلك لأن الأوضاع الاقتصادية زادت سوءاً؛ فالكثير من المتبرعين لم يعد بإمكانهم التبرع بسخاء كما الأعوام الفائتة، والمتطوعون لم تعد لديهم القدرة على ذلك بسبب الظروف المعيشية كما يقول.
رمـضـان شـهـر زيـادة الأربـاح!
يشير السطم إلى أن الكثير من تجار المواد الغذائية قاموا برفع الأسعار بنسب كبيرة مع بداية شهر رمضان، فهو “فرصة لتحقيق أرباح عالية بالنسبة لهم، والرقابة على الأسواق شبه غائبة” حسب تعبيره. ويقول: “مع أول أيام رمضان لاحظنا أن الأسعار ارتفعت بشكل مفاجئ، كيلو البندورة قبل رمضان بيوم كان 2000 ليرة، ومع أول يوم رمضاني أصبح 4000، والأمر ينطبق على الزيت والرز وغيرها من المواد الغذائية”.
من جانبه يوضح كامل البزي نائب رئيس دائرة حماية المستهلك التابعة لمجلس الرقة المدني أن هناك بعض التجار يستغلون رمضان لزيادة أرباحهم، ولكن بشكل عام سبب ارتفاع الأسعار ظروف خارجية وهناك ارتفاع عالمي للأسعار. وينوه إلى أنهم وضعوا نقاطاً لاستقبال الشكاوى من رفع الأسعار في عدة أماكن بمدينة الرقة: “عندما نتلقى الشكوى نقوم بمتابعة الأمر على الفور، في حال تأكدنا أن هناك رفع للسعر المحدد نقوم بإغلاق المحل لفترة تتراوح بين يوم وأسبوع، وتغريم صاحبه مالياً، ومنذ بداية رمضان أغلقنا أربعة محلات لبيع المواد الغذائية بسبب رفع الأسعار”.
ووفقاً لبرنامج الأغذية العالمي فإن 90% من سكان سوريا يعيشون تحت خط الفقر، حيث يعاني أكثر من 12.4 مليون سوري من إجمالي عدد السكان المقدر بحوالي 16 مليون من انعدام الأمن الغذائي.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج