Site icon مجلة طلعنا عالحرية

رسالة من كلب ضال إلى كلبٍ ضالٍ آخر

raqqa

كاوا شيخي

15.12.2014

 

الصديق العزيز (ليس للكلاب الضالة اسم يمكنك أن تتخيل الاسم الذي تريده)

 

أنا أكتب لك من سوريا, طبعاً ذكر اسم سوريا سيرعبك وستتذكر كل تلك الصعوبات التي عشناها معاً على هذه الأرض!

 

ستتذكر الجوع والحرمان الذي أرهقنا في هذا البلد…

 

طبعاً ستتذكر الاسباب التي دفعت بك لأن ترمي بنفسك بين ألغام الحدود, معرضاً نفسك لخطر القتل فقط لتغادر هذا الظلم.

 

أعرف أننا قد عانينا في هذا البلد أكثر بكثير مما يمكن تحمله, أذكر جيداً كيف كانت الليالي تمر علينا ونحن جياع.. ليس نحن فقط, لقد كان الجوع يلف المدينة بكل ساكنيها حتى كان تأمين القليل من الطعام أصعب من الموت جوعاً وكان هذا حال الجميع.

 

ثم كان هناك خطر أن نضرب بالحجارة, نُقتَل بتهمة السرقة أو حتى نعدم.

 

لم يكن أحدٌ ليسأل نفسه لمَاذا يسرقُ الجائعُ, بينما كان يفكُّرُ الجميعُ بمعاقبة السارق!

 

أعرف إنه بمجرد ذكري لسوريا ستتذكر المبيت في العراء فتأمين مكان للمبيت في هذا البلد كان حلماً.. وأي حلم, بل إن قضاء ليلة جليدية من ليالي الشتاء التي لا ترحم في حمى أحد جدران المدينة كان يصل بنا لحد دفع الحياة ثمناً لذلك.

 

ستتذكر الأمراض التي كان واحدها كفيلاً بدفعنا الى الطرقات السريع ليمنح الشاحنات الثقيلة فرصة وضع حد لتلك الآلام التي لا توصف والتي كانت في أحيان أخرى تدفعنا الى النوم فوق سكة الحديد لينهي القطار رحلة الآلام المتواصلة.

 

أريد هنا أن أذكرك إننا كنا نتشارك هذه الذكريات وكنا راضين بقدرنا.

 

لم نكن راضين ولكننا كنا نتحمَّل, طبعاً ليس الجميع فالكثيرون كانوا يحلمون بالهرب ولكن ظروفهم لم تكن تسمح وربما في هذا الإطار كنت أنت من القليلين الذين هربوا ونجوا من خطر الحدود.

 

أعرف بأن القهر الذي عانيت منه كان حافزاً لك وربما كان القليل الذي عانيته أكثر منا واقصد بذلك إلقاء القبض عليك من قبل الأطفال واستخدامهم لك كلعبة لأيام.. أقصد ربما كان ذلك الأمر هوالقشةُ التي قصمت ظهر البعير فهربت.

 

أما الآن فبهذه الرسالة سأطلب منك العودة. 

 

نعم العودة وأنا أعي ما أقول, انتظر لا تلق بالرسالة, اكمل قراءتها ثم قرر.

 

أنا أعرف إنك تعيش الآن في البلد الذي هربت اليه عيشةً أفضل بألف مرة مما عايشناه هنا, لقد كتبت لي حول ذلك وأنا أشكر لك وفاءك وارسالك لتلك الرسالة التي ما زلت أحتفظ بها.

 

أذكر إنك أخبرتني في رسالتك بأن أهل البلد الذي تعيش فيه الآن لا يضربونك بالحجارة وانه يمكنك أن تتفيأ بجدرانهم في الصيف وتختبى في الأكواخ المهجورة في ليالي الشتاء.

أذكر بإنك كنت قد قلت لي بأنهم يأكلون اللحم مرات عديدة في الإسبوع وانهم يرمون أجزاء كثيرة من الدجاج واللحم من دون أن يلمسوه ومع ذلك أنا أكتب لك لتعود لأن كل شيء قد تغيّرهنا.

 

أنه الآن زماننا, وهذا عصرنا في سوريا نعم عصر الكلاب الضّالة.

 

سأحدثك بالتفصيل.

 

هل حلمت يوماً بأن تنام في بيوت البشر بل وعلى أسرّتهم؟ الآن الكثير من البيوت خاوية, مكسورة الأبواب وأصحابها قد غادروها وسكنوا الخيام. 

 

هل حلمت يوماً بأن تأكل ما تريد ومتى ما تريد؟

 

شوارع المدينة مليئةٌ باللّحم وأي لحم؟ إنّه لحمهم الطري اللّذيذ وكل ذلك على سطح الأرض وفي الطرقات، وإذا لم تر على سطح الأرض فما عليكَ سوى أن تحفر قليلاً تحت الأنقاض أو في تراب المقابر الحديثة حتى تعثر على اللحم.

 

عدا عن ذلك أن عودتك بالخبرة التي اكتسبتها من السير بين الألغام والعيش مع الغرباء ستفيدنا بأن نبني قوتنا الخاصة بنا.

 

الآن للجميع قوات خاصة وعندما تعود سنبني قوتنا وسننقم للظلم الذي عانيناه..

 

حتى إذا لم ننتقم سيكون ما ستراه هنا كافياً ليبرد قلبك، ستراهم يفعلون ببعضهم البعض هنا أكثر بكثير مما نحلم نحن بأن نفعله بهم.

 

لقد امتلأت هذه الأرض بالغرباء الذين لا يرحمون, هؤلاء سينتقمون للكلاب الضالة من أهل البلد.

 

فقط عُدْ, تعال نبني وكرنا هنا فهذا البلد سيوفر لنا اللحم للسنين الباقية من عمرنا.

Exit mobile version