مجلة طلعنا عالحرية

رسائل غير مواربة

افتتاحية العدد

بين حين وآخر، تصلنا رسالة صريحة من النظام الدولي، تخالف النفاق والكلام المعسول الذي تدبجه عادة؛ بأن الدول الكبرى تريد تحرر الشعوب، ونشر الديمقراطية، وهي تهتمّ لحقوق الإنسان، بل إنها صديقة للشعب السوري! ولن تكون صفقة عودة المجرم رفعت الأسد إلى سوريا آخر هذه الرسائل المباشرة الصفيقة.
فرنسا بلد الحقوق والحريات، لا توارب ولا تخجل في إعلانها الفجّ أن حماية المجرمين بحق الشعب السوري مكفولة، حتى لو مارسوا التجاوزات هنا وهناك للقوانين الفرنسية أو غيرها. ومن إيطاليا ربما يستورد النظام السوري المخابراتي أنظمة يراقب بها شعبه ومعارضته، وفي بريطانيا يستثنون عائلة الأسد من العقوبات الدولية، ويتساهلون معها أيضاً كما تساهلت إسبانيا وفرنسا مع مجرم ونصّاب دولي مثل رفعت. ولا تفتأ التسريبات تتدفق عن دول أوربية (غربية) من “الأصدقاء” تدعم الإجرام والفساد بالسرّ أو بالعلن أو تتعامى عنهما. وهناك فيتو صيني وآخر روسي؛ يتناوبان أو يضربان “الرفسة المزدوجة” للدفاع عن إجرام النظام في سوريا. والوساطة، من سمسار شرير ما، حاضرة دوماً لعقد الصفقات وإبرام العقود الضامنة لحماية الطغمة الحاكمة في دمشق وتأبيد حكمها ذراعاً ظاهراً أو خفيّاً لاحتلالات متعددة.
وكذا الحال في مصر، وربما في ليبيا وتونس والسودان والسعودية وبلدان عديدة من ربيع العرب وخريفهم وباقي فصولهم.. فضلاً عن حماية ديكتاتوريات أخرى غير عربية، ولكن حظّ منطقتنا في هذا هو الأوفر.. لميلة بختنا!
لم يعد خافياً أن هناك قرار (من الكبار) بإيقاف عجلة التاريخ؛ لما فاجأتهم شعوب المنطقة بدفع هذه العجلة، وبدأت فعلاً بزحزحتها وإزالة الصدأ عنها. خافوا لو كرجت العجلة أن تطحن ثرواتهم وتطال فسادهم، فانطلقت عملية الإجهاز على الربيع وقتله، وفي سوريا بالذات: قتله تحت التعذيب!
لأن لا يزهر العالم كله ربيعاً، تحكمه شعوبه، ولأن لا يصير العالم كله ملكاً للناس! كان لا بد من “مؤامرة” جادة. لنتجاوز الآن للحظة مسألة أننا مقصرون وأننا نرتكب الأخطاء و… نحن هنا لا نقول إننا ملائكة يتآمر علينا الشياطين. ولمسألة لوم ذاتنا وعدم ملائكيتنا مقام ومقالات أخرى.
كل القرارات والممارسات الجادّة للنظام الدولي تصبّ في ذات المستنقع؛ مستنقع الأبدية المرسوم للطغاة والسفاحين على امتداد البلاد العربية، وسدّ المنافذ بوجه رياح التغيير وبوادر الثقافة الديموقراطية.
الضوء أخضر دائماً أمام آلة القمع والإذلال والسرقة، والهدف واضح تماماً، حماية مكانة بشار الأسد وترسيخ سطوة النظام كضامن وحامي لأتباعه المجرمين، وتكريس سوريا كبؤرة جاذبة للشرّ، وبوتقة لتجميع الحثالة والمجرمين من كل أنحاء العالم.. أفراداً وتنظيمات وعصابات.
هذه هي رسائل العالم إلى السوريين والحالمين بالربيع من غيرهم.. وهذا هو المستقبل المرسوم لحلم الحرية الذي انقلب كابوساً أبدياً.
نتلقى رسائل العالم (الأول) لنا، والتي منها أنه يجب علينا أن نكون حبّابين أليفين غير متطرفين، وأن الصفاقة من طرفهم هم ينبغي أن تكون مقبولة. بينما صراخنا من الألم هو المزعج والمكرر وغير العصري. ثم لا يسعنا إلا أن نعود لمهمة أسهل من تغيير العالم الصفيق أو تصليح ما أخطأنا به؛ نعود دوماً للاختلاف وتبادل الملامة بدل تقاسمها.
والله المستعان!

Exit mobile version