أن تعمل بشكل قريب جداً من رزان زيتونة، يعني أن تتابع التفاصيل الدقيقة لأي انتهاكات لحقوق الإنسان من ألفه إلى يائه، وأن تتعلم بشكل كبير كيفية الاقتراب من معاناة الضحية نفسها كإنسان أولاً وأخيراً، وأن تتعامل مع كل انتهاك –رغم وجود عشرات آلاف الحالات – كحالات فردية وليس كأرقام فقط، وتتعلم معنى التضحية في سبيل الوصول إلى المعلومة وتوثيقها وفق المعايير والآليات الدولية لتغدوا دليلاً للمحاسبة وأداة لإحقاق الحقّ بالنسبة للضحايا أو ذويهم وتخليد ذكراهم في فترة الانتقال المرتقبة.
لم يكن توثيق التفاصيل الدقيقة لمجزرة الكيماوي الحالة الوحيدة التي خاطرت فيها رزان من خلال محاولاتها الوصول إلى معظم النقاط الطبّية وإجراء المقابلات مع الناجين وزيارة أماكن الصواريخ التي تمّ استهدافها من قبل قوات الأسد بدرجات أكبر بعد المجزرة مباشرة، بل أنّ هنالك العديد من الحالات والحوادث الأخرى التي واجهت فيها رزان مخاطر حقيقية هددت حياتها بشكل مباشر، ولعلّ أكثرها تأثيراً في مخيلتي قصة الطفل المفقود (سليم سلمان خبية) والذي كان يبلغ من العمر أربع سنوات عندما سقطت قذيفة أطلقتها قوات النظام على منزله، استشهد فيها كل أفراد عائلته ما خلا والده، فقام الأهالي بإسعافه إلى أحد المشافي التي استهدفت أيضاً من قبل النظام وتمّ حرقه، فقامت إحدى السيدات من محافظة حمص بأخذ الطفل وانقطعت أخباره بعد ذلك بشكل كامل، فجاء الأب إلى رزان وطلب منها المساعدة في البحث عن ابنه، فخاطرت رزان بحياتها من أجل الوصول إلى منزل الطفل المدمّر –الذي كان تحت نيران القناصة المباشر- وقامت بإجراء تقرير مصّور مع بعض الزملاء عن حالة ذلك الطفل ونشرته في العديد من المواقع والقنوات وكان كل ذلك في سبيل توفير أيّة معلومة لذلك الأب المفجوع باستشهاد عائلته كلّها وفقدان ابنه الوحيدي المتبقي.
لم يكن من السهل أبداً لرزان زيتونة نشر مفاهيم حقوق الإنسان وثقافة التوثيق في بيئة تتعرض يومياً لأبشع الجرائم على يد النظام، في ظل صمت دولي شبه مطلق، سواء من الدول “الصديقة” للثورة أو من المنظمات الحقوقية العالمية أو الهيئات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن، إلاّ أن الإصرار الذي تمتعت به رزان إضافة إلى طريقة تعاطيها مع جميع الحالات بسوية واحدة جعل الكثير الكثير من مواطني الغوطة الشرقية يبدأون بالتوافد إلى ذلك المكتب البسيط في مدينة دوما، وتوثيق الانتهاكات التي ارتكبت بحقّ أقاربهم، ولم تكن تبخل رزان عليهم بشيء، ففي إحدى المرات جاءت سيدة إلى رزان وطلبت منها معلومات عن ابنها الذي اعتقل بشكل تعسفي على يد الأجهزة الأمنية، وكان ابنها أحد المتطوعين لدى الهلال الأحمر العربي السوري، فقامت رزان على الفور بكتابة رسالة عاجلة بخطّ يدها إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر للتدخل من أجل الإفراج عن ابن تلك السيدة وفلذة كبدها. فكانت لتلك الاستجابات الإنسانية من قبل رزان أثرٌ كبير على نظرة مجتمع الغوطة للتوثيق وحقوق الإنسان إجمالاً، وجعلت الناس يتقبلون إلى درجة كبيرة مفاهيم العدالة وعدم الانتقام وسيادة القانون والتي كانت رزان تضع لبنتها الأولى في هذا المجتمع.
كان من المفترض بعد أن تستكمل رزان نشاطاتها ومشاريعها في الغوطة الشرقية أنّ تنتقل إلى المحافظات الشرقية، لتساعد المجموعات الثورية والمنظمات الوليدة على تنظيم نفسها أكثر إضافة إلى رغبتها الشديدة في نشر ثقافة حقوق الإنسان هناك أيضاً، وكان ريف دير الزور المحطة المخطط لها، إلاّ أنّ الحصار المحكم من قبل النظام وحادثة الخطف حالت دون ذلك.
لعلّ أكثر ما يميز تجربة العمل بالقرب من رزان زيتونة هو التمرن على اتقان العمل بشكل كبير، والخوض في تفاصيل التفاصيل، والاعتناء بالمادة الحقوقية من مقدمتها إلى خاتمتها، وعدم إهمال أي جزئية خلال التحقيقات لحين الوصول إلى توثيق يتوافق والمعايير الدولية.
قد يرى البعض أنّ العديد من الكتابات عن رزان زيتونة إنّما تحمل إشارات مبالغ فيها، وتأتي من باب “تأليه البشر”، إلاّ أن كلّ من عمل بشكل قريب جداً من رزان يعرف جيداً ما خسرناه جميعاً وما خسرته الثورة السورية وملف حقوق الإنسان وتوثيق الجرائم والانتهاكات ومدى فداحة الجريمة المشارفة على إكمال عامها الأول دون الوصول إلى أيّة تطورات حقيقة وتواطؤ من معظم القوى العسكرية المسيطرة على الغوطة في البحث عن الجناة وتقديمهم إلى محاكمة عادلة.
المتحدث الإعلامي باسم مركز توثيق الانتهاكات في سوريا