مجلة طلعنا عالحرية

رحلات ونزهات على ضفاف نهر النبي هوري في عفرين بريف حلب

حسين الخطيب

تمتاز منطقة عفرين بريف حلب الشمالي بطبيعة خلابة تسرّ الناظر إليها، من جبال وأشجار وسهول وأنهار، جعلتها وجهة لكل الأهالي في الشمال الغربي من سوريا، باعتبارها مركزاً للاصطياف والترويح عن النفس في ظل قسوة الحياة وضيقها.
ومع ارتفاع درجات الحرارة من كل عام، أو دخول فصل الربيع، ينطلق سكان ريف حلب الشمالي من مدن اعزاز ومارع والباب، وإدلب أيضاً وغيرها، إلى أنهار مدينة عفرين وبحيرتها المشهورة “ميدانكي” للاصطياف هناك، وتغيير لأجواء العمل والروتين اليومي، لا سيما أن سنوات عديدة مرت عليهم وهم يهلعون ويهربون من بلدة لأخرى خشية القصف والموت.
في السنوات السابقة غابت هذه الرحلات عن أجواء السوريين، وأصبح من المستحيل إيجاد أجواء يسودها الهدوء في ظل سيطرة الحرب على واقعهم، وكامل أوقاتهم التي كانت متعبة وحزينة وطويلة أكثر من أنها مجرد سنوات، إلا أن الهدوء النسبي الآن دفع الأهالي إلى قضاء ساعات مميزة مع الأهل والأصحاب في منطقة عفرين.
زارت مجلة “طلعنا على الحرية” منطقة “النبي هوري” بريف عفرين الشمالي، هذه المنطقة يرتادها الناس بشكل كبير خلال الصيف بسبب مرور نهر عفرين عبرها، وتميزها بالهدوء التام لبعدها عن القرى والمدن وعن الطريق الرئيسي.
يظهر المشهد من بعيد، عشرات العائلات تجمعت على ضفاف النهر وتحت ظلال الأشجار، يجلسون جلسات السمر والضحكات لا تكاد تتوقف، بينهم أطفال يلعبون بالماء وآخرون يلعبون كرة القدم على ضفة النهر، وآخرون يجلسون قرب النار يشوون اللحوم ويحضرون وجبة الغداء، ويشربون النرجيلة، وسط أجواء مفعمة بالراحة.
“عبد الرحمن الوحيد” من مدينة الباب بريف حلب الشمالي الشرقي أحد زائري المنطقة مع مجموعة من رفاقه يقول لـ “مجلة طلعنا على الحرية”: “لم أزر هذه المنطقة منذ عشر سنوات تقريباً، حيث كانت الزيارة مع أصدقائي أيضاً، عندها كنت في التعليم الأساسي، لكننا خلال الثورة ضد النظام وحربه علينا، تركنا تلك الأماكن دون زيارة”. وأضاف: “اتفقت مع أصدقائي من أجل التحضير للرحلة وزيارة منطقة النبي هوري في عفرين، وتقاسمنا العمل على التحضير من أجل الحصول على أجواء مختلفة عما مضى من الحرب والكوارث المقيتة من نزوح وغيره”.
وأوضح: “منطقة عفرين منطقة فريدة ومميزة عن باقي مناطق ريف حلب الشمالي، وهي المجال الوحيد المتاح لنا من أجل الحصول على هذه الأجواء، لا سيما أن الحرب لم تفارقنا والموت والقصف أيضاً حتى الآن”.
السوريون خلال زيارتهم لتلك المنطقة لا يجدون وصفاً لها لأنها فائقة الجمال، غيبتها الحرب عنهم كما غابت قلوبهم البيضاء، يحاولون التعايش مع هذا الواقع مهما كان متعباً، ومن الغريب جداً أن تكون هذه المنطقة التي لا تبعد سوى كيلومترات معدودة فاقدة أناسها الطيبين.
التقت مجلة “طلعنا على الحرية” عدد من الأهالي هناك بينهم أسر بأكملها ومجموعات من الشباب، وبعضهم طلبة جامعات، من مناطق سورية مختلفة جمعتهم أقدارهم في شمال غربي سوريا، يحاولون أن يعيشوا أجواءهم التي فقدوها بشكل ما لعلهم يكسبون شيئاً من رغد الحياة.
“محمد نبهان” وهو مدرس من مدينة مارع بريف حلب قال لـ “مجلة طلعنا على الحرية” إنه يزور كل عام منطقة النبي هوري مع زملائه في العمل، أي أن الزيارة تكون مع نهاية العام الدراسي، تزامناً مع احتفائهم بنهاية العام الدراسي بخير وسلامة.
وأضاف: “الرحلة تكون تشاركية أيضاً بين جميع المعلمين، نقضي أوقاتاً ممتعة مع الزملاء بعد عام كامل من العمل، لكن في السابق كانت رحلاتنا إلى أكثر من مكان إلا أنه نتيجة سيطرة النظام وغيرها على المناطق لم تتبق سوى منطقة عفرين للتمتع بأجوائها اللطيفة”.
وأكد: “أن الاهالي يتوجهون إلى تلك المنطقة بإمكانيات محدودة: بعض الكيلوغرامات من لحوم الدجاج لأن لحوم الأغنام باهظة الثمن، وقليل من المشروبات والمأكولات بما يتماشى مع وضعهم المادي”.
وعلى الرغم من أن الرحلات من الرفاهيات، إلا أنها أصبحت تخلو نوعاً ما من البذخ والترف أو صرف المال فوق الإمكانيات لدى الأهالي الذين يرغبون في قضاء يوم ممتع بين سهول وجبال منطقة عفرين، إذ تحكمهم المادة أيضاً، وأصبح من النادر جداً أن تشاهد أشخاصاً يصرفون فوق قدراتهم فهم يلجؤون إلى المأكولات الأقل ثمناً لأن سيدفعون تكاليف باهظة بين أجور الطريق وارتفاع أسعار الحاجيات اللازمة للرحلة.
وقد لفت أحد المواطنين الذين يترددون على المكان في النهاية أنه لا يمكن وصف المنطقة بأجوائها الفريدة فقط، فهي ليست آمنة تماماً، وليس بالإمكان البقاء هناك بعد حلول الظلام حتى ولو لساعة واحدة، بسبب غياب الأمن، وعدم تخديم المنطقة من نقاط طبية وأمنية ومطاعم ومساجد وغيرها.
وأضاف “يبدو أن الاهتمام السياحي في المنطقة نادر جداً إذ لا تتوفر هناك طرقات معبدة وآمنة ومطاعم أو مقاهي للاستثمار في ظل انعدام الأمن، الذي يلعب دوراً هاماً في عمل تلك المنشآت، والتي في حال تم استثمارها جيداً ستوفر فرص عمل لعشرات من معيلي الأسر، وأرباح جيدة على المستثمرين والجهات المحلية، المسؤولة عنها”.

Exit mobile version