- التصفيق لا يقدّم شيئًا لتجربتي بعكس النقد.
غسان ناصر
صدر حديثًا للكاتب والشاعر الفلسطيني السوري رامي العاشق، كتاب نثري بعنوان: “مُذ لم أمتْ”، عن (بيت المواطن للنشر والتوزيع، بيروت)، ضمن سلسلة “شهادات سورية”، (الشهادة رقم 21).
ولتسليط الضوء على هذا الإصدار، الذي احتفت به الأوساط الأدبية والثقافية السورية في المنافي الجديدة، والذي احتوى بين دفتيه سبعة عشر نصًا نثريًا، كان “العاشق” قد كتبها في السنتين الأخيرتين في ألمانيا، التقت مجلتنا في مدينة “كولونيا”، صاحب “سيرًا على الأحلام” فكان هذا الحوار..
بداية كيف تقدم لقراء مجلتنا كتابك الجديد “مُذ لم أمتْ”، وفي أي أجواء كتبته؟
أقدمه كما قدمت للكتاب في صفحاته الأولى بعنوان “مقدمة” حيث قلت: “جمعتُ هذه النصوص كمن يجمع أشلاءه، ها هي ذي أشلائي مجمّعةٌ في كيس ورقيّ، غير مرتّبة، عشوائيّتها هذه، حقيقيّةٌ بخرابها، دمويّة تارةً، عنيفةٌ، صادقةٌ، خياليّةٌ، ذاتيّة، تشبهني بكلّ جنوني وأمراضي وما أنضجتْه الثورةُ فيّ وما كسرتْهُ الحرب وما أكلتْه الغربةُ منّي. لا رأس لي، ولا اسم، ولا هويّة، جمعتها وأنا بكامل إيماني بحاجة الواقع إلى أن أكون كاتبًا أكثر مما أكون شاعرًا، وأؤمن أن كلّ ما هو انفعاليّ ليس شعرًا، وأنّ كلّ ما لا ينتمي إلى الموسيقا ليس شعرًا، وأنّ كلّ هذا القبحِ المحيط بنا يؤذي الشعرَ. لذلك، يمكن التعريف عن هذه المجموعة على أنّها مجموعةُ نصوص لا أكثر، نصوص تحتملُ التسمية، فلتسمِّها ما شئت، حاولتُ فيها، دونَ قرارٍ مسبق، أن أجمّل القبحَ وأضع الكثير من مساحيق التجميل لأعيد إنتاجه على هيئة يسمّونها “إبداعيّة”، وحين كتبتها لم يكن مخطّطًا أن تُجمع في كتاب، أو توضع على شكل شهادة، أو تنشر في قالبٍ ما، لذلك، فلنرحمها من التصنيفات، يكفيها ما حلّ بها من ظلمِ كاتبها”.
تراوحت موضوعات الكتاب في نصوصه السبعة عشر، بين القضية السورية، اللجوء، الحرب، مخيم اليرموك، الزنزانة، والمنفى، لماذا غيبت الحديث عن الحب في هذه المراوحة النثرية أيها “العاشق”؟
لم يغب الحب على الإطلاق، القارئ الجيد يستطيع التقاط الحب للمكان، الذكريات، الوطن، الحياة، المتعة، الشريك، والآخر، في كل نص من نصوص الكتاب، حتى الحب في معناه المباشر، الذي يعني المقابل البيولوجي: أنثى – ذكر، يراه واضحًا في نصوص مثل: “أرفع جسدك راية رعب وخذلان”، “المقاتلة العارية من ضفائرها”، “صانعة الكروشيه القروية”، “لا أريد أن أقع في حبـ(ها)”، “أعرف الزنزانة جيدًا”، “أخيرًا التقينا”، “من ألقى المفتاح في النهر؟”، “بائع الحب وسريره”، و”مُذ لم أمتْ”. وهي تسعة نصوص من أصل سبعة عشر، أي أكثر من النصف. ذاتيّة النصوص أدبيًا، وليدة موقف جمالي – أدبي لا يمكن فصله عن الحب واللاحب، الوطن والمنفى، الزنزانة والحرية، اللاجئ والآخر، الموت والحياة، هذه الثنائيات تشكل شعريّة النصوص، وثوريّة الخروج عليها، والنصوص ككل متكامل بين دفّتي الكتاب، لا يمكن فصلها جماليًا عن المقدمة التي تبرّئ الشعر من الكتاب أو تبرّئ الكتاب من الشعر، وهذا يسمح بالتالي لقراءة شعريتها لا شاعريتها.
ما هي انطباعاتك عن استقبال النقاد لهذا الكتاب، وهل نالت تجربتك في الكتابة حظها من المتابعة النقدية؟
أشكركم على هذا السؤال، أرى أن النقد يبدأ من نقد الكاتب الذاتي لتجربته، وتفكيكها. وهذا بدأ بفتح أسئلة مقدمة الكتاب، وبالتالي تناول أحد الكتاب الصحفيين مؤخراُ، المقدمة بمقال منفرد، وهذا بالنسبة إليّ يؤكد لي أهمية ما ذهبت إليه في وضع هذه المقدمة كجزء أصيل من الكتاب.
لا يمكننا أيضًا إغفال قضيّة مهمة، وهي أن دراسة نتاج الكتاب الشباب نقديًا، أمرٌ ليس في حسابات النقاد، للأسف، وهذا يعود لعدة أسباب يطول شرحها متعلّقة بالصناعة الثقافية بحد ذاتها، ويضاف إليها العلاقات الشخصيّة وشهرة الكاتب … إلخ. هذا بالضرورة يحيلنا إلى قضية الحظوظ أو غيابها، “مذ لم أمت” لاقى قَبولًا ما، وكتبت عنه عدّة صحف، نقدًا، تقديمًا وإشهارًا، ولكن هذا لا يرضي شغفي بالحصول على الملاحظات النقدية والقراءات المختلفة للنص وتأويله، لأنني أؤمن بأن كل قارئ هو جزء أصيل من العمل الأدبي، وتأويلُه وحساسيتُه تحمل سياقات دراميّة وجمالية مختلفة، وبالتالي إثراء الكتاب، وإضافة خبرات للمؤلف وآليات تفكير مختلفة، أنا دائمًا أهتم بالملاحظات أكثر من التصفيق والمديح، لأن التصفيق لا يقدّم شيئًا لتجربتي بعكس النقد. وهنا يتوجّب عليّ التنويه بأنّ النقد لا يعني بالضرورة الانتقاد.
يُشار إلى أنه صدر لضيفنا قبل كتابه “مُذ لم أمتْ”، مجموعتان شعريتان، بالفصحى والعامية: “سيرًا على الأحلام”، و”لابس تياب السفر. ويشغل الآن منصب رئيس تحرير صحيفة “أبواب”، وهي أول صحيفة عربية في ألمانيا.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج