علي الدالاتي – إدلب
أطلقت مجموعة من الناشطين من مهجري الغوطة الشرقية حملة بعنوان “راجعين” بالتزامن مع الذكرى السنوية الرابعة لتهجير عشرات الآلاف من سكان الغوطة من بيوتهم وأراضيهم باتجاه الشمال السوري.
تم إجبار الآلاف على ترك بيوتهم وأراضيهم بعد سنوات من الحصار الكامل، وما رافق الحصار من مجازر وقصف، لاسيما بالأسلحة الكيماوية، والتي كانت أكبرها الحملة العسكرية الأخيرة التي شنتها قوات النظام على الغوطة الشرقية بالتعاون مع الميليشيات المؤيدة لها، وبدعم من الطيران الروسي، ما أدى إلى انهيار المباني السكنية على رؤوس قاطنيها، وتهديم المدارس والمساجد والمشافي والأسواق التجارية، مخلفة مجازر ذهب ضحيتها آلاف الأبرياء، منها ما كان باستخدام الأسلحة الكيماوية.
وسرد مهجرو الغوطة وريف دمشق ومهجرون من عموم المناطق السورية، قصصهم مع الحصار الذي عاشوه أثناء الحملة العسكرية لقوات النظام السوري وحلفائه على مناطقهم، والذي انتهى بالتهجير القسري الذي كان يتبع تلك الحملات.
الجريمة مستمرة
الناشط الحقوقي ثائر حجازي، مهجر من مدينة دوما وأحد مؤسسي حملة “راجعين” قال لمجلة طلعنا عالحرية: “إن الحملة أطلقها ناجون وناجيات من الغوطة الشرقية مع مشاركة من نشطاء من جميع أنحاء سوريا، في هذه الفترة من السنة كونها أيام لا تنسى من ذاكرة أهالي الغوطة” وعن أهداف الحملة يوضح حجازي أن الحملة تهدف لـ”تسليط الضوء على جريمة التهجير القسري؛ فقوات النظام استخدمت الحصار والمجازر بشكل شبه يومي بحق أهالي الغوطة كاستراتيجية طويلة الأمد ولعدة سنوات بهدف استنزاف الأهالي تمهيداً لإجبارهم على التهجير قسراً، ولا سيما استخدامه للسلاح الكيماوي ضمن هذه السياسة”.
مشيراً إلى أن الحملة “تسعى إلى تخليد ذكرى الأرض والشهداء، وتطالب بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في الغوطة، وهي كنوع من رفع الصوت بأن الجرائم التي حدثت وما زالت تحدث في الغوطة لن تُنسى أو لا تسقط بالتقادم، ولا سيما أن جرائم النظام مازالت مستمرة بحق أهالي الغوطة الذين الموجودين فيها الآن، ومازالوا يعانون من سياسة تمييزية إقصائية”. ويضيف حجازي عن مواجهة بروباعندا النظام وروسيا: “لأنهم يحاولون الالتفاف على قضية التهجير وعلى عملية إبعاد السكان قسراً عبر اللعب على المصطلحات ونشر الأكاذيب، بأن العملية التي حدثت هي جزء من عملية النزوح الإرادي! بالرغم من الكذب الواضح لهذه السردية، فقط لتضليل الرأي العام العالمي، خاصة في ظل صمت دولي رهيب، فالقانون الدولي الإنساني يوصف هذه ما حدث بأنه جريمة تهجير قسري، وما نتج عنه هو أيضاً غير قانوني”.
ويؤكد حجازي أن الحملة تهدف للتأكيد كذلك على “أن أهالي الغوطة سيعودون لمدنهم وقراهم ولكن في حال زوال نظام الأسد؛ فبدون هذا الشرط لن يعود أحد من السكان”. كما لفت إلى أن الحملة مستمرة، وستكون جسراً بين المناطق السورية التي تعرضت للتهجير القسري، وبأنهم كقائمين على الحملة يعلنون تضامنهم مع كل المهجرين قسراً في جميع أنحاء سوريا.
ذكريات مؤلمة
أما بالنسبة للناشطة نور الشامي، وهي مهجرة من الغوطة وإحدى المشاركات في الحملة فإن “الهدف الأساسي للحملة هو مقاومة النسيان؛ فبالرغم من كل الظروف ما يزال نشطاء الغوطة الشرقية مصرين على تذكير العالم بما حصل معهم، من حصار ومجازر وتجويع، بالإضافة للتذكير بالتجربة الرائدة لإدارة المنطقة بعد تحريرها من قوات النظام؛ فمنطقة الغوطة الشرقية التي يقطنها مئات آلاف المدنيين خاضت تجربة مميزة في إدارة نفسها رغم الظروف الصعبة التي عاشتها”.
وتضمنت الحملة أنشطة مختلفة، فقد نُظّمت عدة جلسات عبر الانترنت ضمت مجموعة ناجين وناجيات تحدثوا عن معاناتهم خلال وجودهم بالغوطة وذكرياتهم مع الحصار والقصف،
بالإضافة لإقامة عدة فعاليات مثل معرض صور في مدينة اعزاز يروي حكاية التهجير، وإقامة عمل مسرحي في إدلب حول جريمة التهجير من الغوطة.
كما ضمت الحملة مشاركات من قبل الأهالي بفيديوهات عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي يرون فيها قصة تهجيرهم.
حبيبة العمري كانت إحدى الناشطات التي روت قصة تهجيرها عبر صفحتها على فيسبوك؛ حيث قالت : “عند أذان فجر الخامس من نيسان، وصلنا منطقتي أثريا وخناصر، وكنت أسمع بهما لأول مرة، رأيت لافتة طرقية كُتب عليها “الرقة” وسهمٌ يدلنا إلى طريقها، يا إلهي! بتنا قريبين من الرقة، كم ابتعدنا عن دوما وإلى أين نذهب؟
أعترف بجهلي بجغرافية بعض المناطق السورية، وأخجل منه، ولكني يومها رأيت أن وصولنا إلى لافتة تدلنا على طريق الرقة دلالة على النفي الحقيقي، وهذا ليس انتقاصاً من الرقة ولكنه إحساس بريءٌ بمدى البعد عن بلدي”.
وتتابع: “السابعة صباحاً وصلنا معبر أبو الزندين على أطراف مدينة الباب، هنا توقفت الحافلات التي لم تتوقف أبداً من دمشق حتى هذه النقطة، كان ضوء الصباح الربيعي مشرقاً والشمس دافئة بطريقة مزعجة لمن سيبقى في العراء تسع ساعات كاملة ينتظر إذن الدخول إلى الباب”!
وأضافت العمري : “تذكرتُ يومها أمرين قد يبدوان مضحكين، ولكنهما، ومع تثاقل الحزن والهموم حينها، كانا كالشعرة التي قصمت ظهر البعير، تذكرت أن طراز معظم البيوت في ريف شمال البلاد (عربي) بفسحة سماوية، وهذا يعني دخول القطط إليها وأنا أكره القطط وأخافها، وأن أهل الشمال لا يأكلون الكزبرة الخضراء ولا يبيعونها! وهذا يعني حرماننا منها، لا أدري كيف كان لهذين الأمرين البسيطين أن يثيرا فيّ حزناً أكبر، انفجرت بسببه ببكاء طويل! أدرك أن القطط والكزبرة ليست السبب، ولكنه الشعور بأن كل شيء قادم لن يكون جميلاً، ليس انتقاصاً من المنطقة ولكنه البعد عن الوطن”.
وتتابع العمري السرد: “استهلك الطريق من الباب إلى اعزاز ساعات طويلة، شعرنا فيها بالتعب والجوع والغثيان والملل، كل الصور كانت متاحة في ذهني، ولكنّ الصورة الحقيقية كانت غائبة بشكل كلي”.
وأنهت حبيبة قصتها بوصولها إلى الخيمة التي “كانت كبيرة جدا وفيها نساء وأطفال، اتخذتُ مكاناً لي ولابني وغططتُ بنوم عميق بعد رحلة شاقة استمرت ثلاثين ساعة”.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية فإن عدد المهجرين من الغوطة 78 ألف نسمة باتجاه شمالي سوريا، و80 ألف شخص باتجاه مراكز الإيواء.
صحفي سوري مقيم في إدلب، يدرس في كلية العلوم السياسية
مهتم بقضايا حقوق الإنسان والتهجير القسري في سوريا