تسعى رابطة الصحفيين السوريين للسير قدماً على طريق المأسسة، وفي هذا السياق نظمت الرابطة خلال الأيام الماضية انتخابات جديدة وجدية لاختيار رئيسها وهيئتها الإدارية.
ومثلها مثل غالبية المؤسسات التي نشأت عقب الثورة تعرضت الرابطة للعديد من الهزات والانتقادات والاتهامات بالشللية وغيرها.. إلا أن الانتخابات الأخيرة والتي شارك بها ما يزيد عن 50% من الأعضاء كانت مرضية على ما يبدو حتى الآن وذلك رغم بعض الانسحابات من الهيئة المنتخبة والتي أشاد بها عديدون واعتبروها تعبيراً عن ثقافة جديدة ترتضي التنازل عن المناصب إفساحاً بالمجال للطاقات الجديدة والشابة.
إلا أن السؤال الأهم يبقى حول إنجازات الرابطة الفعلية حتى اليوم، الرابطة التي تأسست بتاريخ 20 شباط 2012 بعد ما يقارب العام من إنطلاق الثورة السورية.. ماذا قدمت للصحفيين السوريين.. للصحافة الجديدة.. وللقضية السورية عموماً..؟ في هذا السياق يجيب السيد “محمد فتوح” وهو الذي شغل منصب أمين سرّ الرابطة خلال الفترة الماضية، وأحد أعضاء الهيئة الإدارية المنتخبة:
“من حيث المبدأ، تمثل الرابطة أوسع إطار يجمع الصحفيين المحترفين المؤيدين للثورة السورية. وهو بحد ذاته إنجاز للصحافة السورية، حيث تمكنت الرابطة من تكوين نواة لجمع الصحفيين السوريين المنتشرين حول العالم، وبالتالي إيجاد فرصة للتنسيق بينهم حول القضايا السورية، وفتح المجال أمام بلورة جهود منسقة بين هؤلاء الصحفيين خدمة لقضايا بلادهم. علاوة على ذلك، شكلت الرابطة نقطة اتصال تلجأ إليها المؤسسات الإعلامية والصحفيون (سواء كان عبر إدارة الرابطة أم عبر أعضائها من خلال المساحات التي توفرها الرابطة للتواصل بين الأعضاء) للمساعدة في تأمين ضيوف للحديث حول قضايا محددة في الشأن السوري، أو الحصول على معلومات وإحصائيات حول الشأن الإعلامي في سورية”.
ويضيف السيد فتوح: “لقد ساهمت الرابطة في التشجيع على صياغة مواثيق شرف للعاملين في الصحافة، سواء كانوا صحفيين محترفين أو نشطاء إعلاميين. وعلاوة على ميثاق الشرف الصحفي الخاص بالرابطة، والذي حاز على ثناء مسؤولين في نقابات أوروبية، ساهمت الرابطة في صياغة ميثاق شرف وقعته عشرات من التنسيقيات الإعلامية في سورية. كما أن الرابطة طرف أساسي في سلسلة ورش عمل تعقد حالياً لصياغة ميثاق شرف يضم مؤسسات إعلامية في سورية”.
وعن مساهمة الرابطة الفعلية في محاولة حماية الصحفيين والناشطين الإعلاميين العاملين داخل سوريا من الواضح أن الرابطة لم تستطع فعل الكثير ضمن أجواء دولية، رسمية وشعبية، لا مبالية.. بل وقاسية، وعلى هذا فإن دورها قد اقتصر على الرصد والتوثيق، يقول فتوح:
– “ساهمت الرابطة في رصد الانتهاكات ضدّ الإعلام والإعلاميين في سورية عبر لجنة الحريات خلال الفترة الماضية. وقد أسست مؤخراً مركزاً للحريات الإعلامية يعمل فيه ثلاثة باحثين في غازي عنتاب، سيكون بمثابة نقطة تحول في نشاط الرابطة بهذا السياق، لأنه للمرة الأولى أصبح لدى الرابطة باحثون متفرغون لهذا الأمر. وقد عقدت الرابطة عدة ورشات تدريبية لصحفيين وناشطين من داخل سورية وخارجها حول قضايا أمنهم الشخصي والمعلوماتي، إضافة إلى مسألة توثيق الانتهاكات التي تستهدف الصحفيين. كما تدير الرابطة ورشة عمل مفتوحة على الانترنت تقدم النصح والدعم للصحفيين الشبان، بإشراف لجنة التدريب والتطوير المهني في الرابطة. كما ساهمت الرابطة في التعريف بواقع العمل الإعلامي ومخاطره في سورية عبر تواصلها ومشاركاتها في وسائل الإعلام والمحطات التلفزيونية”.
افتتحت الرابطة مؤخراً مكتباً في مدينة غازي عنتاب التركية المحاذية للحدود السورية وذلك بهدف تعزيز تواصلها المباشر مع الداخل السوري كما يقول السيد فتوح، وكانت تسعى لافتتاح مكتب داخل سورية إلا أن تطورات الوضع الأمني لا سيما بعد سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) وتغلغلها في المناطق المحررة دفع لتأجيل الفكرة.
من البديهي أن تحاول الرابطة منذ نشأتها مساعدة الصحفيين السوريين المنتشرين في أنحاء العالم والأخذ بيدهم نحو التدريب والتوظيف اللائق في المؤسسات الإعلامية المختلفة إلا أن دورها لا زال مقتصراً في هذا المجال على التعارف والعلاقات الشخصية المتبادلة بين اعضائها، يقول فتوح: “بالرغم من أن الرابطة لم توظف سوى 5 من أعضائها (بدوام جزئي أو كلي) لأعمالها، إلا أنها في المقابل أتاحت الفرصة أمام الأعضاء لطرح خبراتهم وبالتالي إمكانية الوصول إلى فرص العمل المتاحة في المؤسسات التي يعمل فيها زملاؤهم، كما تسعى الرابطة لتوسيع نطاق التدريب لتغطي مجالات متخصصة في الصحافة”.
أما على مستوى القضية السورية الكبرى فيقول فتوح “ان الرابطة تعتبر نفسها جزءا من منظومة الثورة السورية، وقد استغلت كل الفرص المتاحة أمامها للتعريف بالقضية السورية على الأقل عبر مدخل الشأن الإعلامي،.. وقد ساعدت الرابطة في الوقوف في وجه الحملات الإعلامية (في وسائل الإعلام المصرية واللبنانية بشكل خاص) ضد السوريين. كما تتولى الرابطة رصد كيفية تغطية وسائل الإعلام الكبرى للشأن السوري وقد سبق أن أرسلت عدة رسائل لمحطات عديدة حول تغطيتها غير المقبولة بهذا الصدد”. ويختم السيد فتوح حديثه بالقول: “لم تصل الرابطة لتحقيق جميع الأهداف المأمولة بسبب ضعف الإمكانيات المالية، حيث لم يكن لديها أي مورد مالي خلال سنتين تقريبا من عمرها، وقد أنشأت موقعها الالكتروني بتبرعات طوعية من بعض أعضائها. كما أن الرابطة لم تستطع حتى الآن تفعيل آليات تحصيل اشتراكات مالية من أعضائها بسبب عدم تمكنها من فتح حساب بنكي (لأسباب تخص البنوك) رغم أن الرابطة مسجلة في فرنسا”.
قد يرى البعض أن على الرابطة وعلى الصحفيين السوريين عموماً تقع مسؤولية كبرى في نشر المعاناة السورية وتحريك الشارع الشعبي ومؤسسات المجتمع المدني تضامناُ مع السوريين، فالألم السوري الذي فاق حدود التصور لم تواكبه مظاهرة شعبية واحدة في أي بقعة من العالم أسوة بغزة على سبيل المثال، ولم تحرك مؤسسات الصحافة العالمية ساكناً ضد قتل مئات الصحفيين والناشطين الإعلاميين أمام عدسات الكاميرا، ولم يهزها قتل الآلاف من المعتقلين المقيدين بدم بارد.. تعذيباً وسحلاً وتجويعاً..
إلا أن هذا الحكم الرائج لا ينطبق على الرابطة وحدها إنما على كافة المؤسسات والتنظيمات السورية المدنية والسياسية في الخارج، والتي لا زالت تتذرع، ربما بحق، بحداثة عهدها وبتصخّر الضمير العالمي. ربما على السوريين ومؤسساتهم الثورية الجديدة العمل أكثر، وربما يحتاج العالم أيضاً لربيع آخر لإعادة الاعتبار لعقله وضميره وقيمه المنسية.
كاتبة صحافية وناشطة سورية من الجولان المحتل، نائب رئيس تحرير طلعنا عالحرية.