لم ولم الآن ؟.
في المعلومات التي اعلنها فريق السيد دي ميستورا ان تحركه عبارة عن مشاورات غير رسمية ومنفصلة ترتكز على بيان جنيف لتوضيح عناصره الأساسية والوقوف على آراء النظام والمعارضة السياسية والعسكرية وقطاعات واسعة من المجتمع السوري (منظمات مجتمع مدني، شخصيات مستقلة ورجال اعمال) حول كيفية المضي قدما نحو حل سياسي يقوده السوريون بأنفسهم، من أجل تفعيل البيان عبر عقد جلسة مفاوضات جديدة في جنيف، على ان يرفع تقريرا الى الامين العام للأمم المتحدة يتضمّن مقترحات حول إمكان قيام الأخير بالدعوة الى عقد مؤتمر دولي – إقليمي، بحضور ممثلي الأطراف السورية أو من دون ذلك، لبحث احتمالات الوصول الى حل سياسي في سورية. ويرجح أن يتزامن ذلك مع الذكرى الثالثة لصدور بيان جنيف.
غير ان صيغة التحرك ومداه اثارا اسئلة وتحفظات لانهما سيرتبان مشكلات أكثر من ترتيب حل، فقد اخذت الدعوات صيغة شخصية، كما في لقائي القاهرة وموسكو، ما سيثير هواجس ومخاوف وخلافات في صفوف الكيانات السياسية والعسكرية المعارضة. وتم توجيه الدعوات الى عدد ضخم من الافراد، قيل ان عدد المدعوين تجاوز الـ 400 مدعو، وهذا سيجعل تشكيل تصور واضح عن المواقف والاقتراحات، ناهيك عن التقريب بينها، شبه مستحيل، لان لكل فرد تصوراته وتطلعاته واولوياته، وسيضع العملية امام حالة تشتت وبعثرة شديدة. فاذا كان هدف المشاورات استطلاع مواقف النظام والمعارضة والمجتمع المدني والقوى الإقليمية والدولية (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وممثلي الدول الإقليمية الفاعلة في الملف السوري)، لمعرفة ما إذا كانت أطراف النزاع مستعدة للانتقال من مرحلة المشاورات إلى مفاوضات، كما هو معلن، فان استشارة الاطراف الرئيسة التي لها حضور فاعل في الصراع وقدرة على ضبط الموقف والسيطرة على ردّات الفعل أكثر من كاف لتشكيل تصور وتقدير للموقف. هذا بالإضافة الى ما أثارته دعوة ايران الى هذه المشاورات في ضوء الدور الذي لعبته وماتزال في الصراع السوري حيث ينُظر اليها كجزء من الازمة بالإضافة الى رفضها لبيان جنيف وسعيها مع روسيا الى دفنه او على الاقل تعديله كي يتناسب مع تطلعاتهما في سوريا والاقليم والتي تستند الى الابقاء على النظام بعد كل الجرائم والدمار الذي تسبب به في حربه المجنونة على المواطنين لانهم طالبوا بالحرية والكرامة.
وقد كان لافتا حديث فريق السيد دي ميستورا عن اجراء مشاورات غير مباشرة مع تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) وجبهة النصرة لأهل الشام عبر اطراف على تواصل معهما، وهو توجه سيثير المزيد من الخلافات والتعقيدات لان التنظيمين على قائمة الارهاب الدولي من جهة ولان ليس على جدول اعمالهما خيار حل سياسي من جهة ثانية.
وأما العائق الاكبر امام تحقيق تقدم على طريق حل سياسي للصراع فتوقيت الدعوة الى المشاورات. فالمناخ الاقليمي السائد وما ينطوي عليه من توتر وضغوط متبادلة بين دول فاعلة فيه وفي الملف السوري على خلفية انفجار القتال في اليمن واطلاق عاصفة الحزم للتصدي للتمدد الايراني وما يصاحبه من عدوانية واختراق لسيادة الدول وهز استقرارها الداخلي عبر تجنيد وتجييش طائفي مذهبي لا يساعد على تعاط ايجابي بين الفرقاء، فقد أثارت الدعوة الى المشاورات هواجس ومخاوف هذه الاطراف ما دفعها الى السعي لعرقلة العملية او فرض مناخات سلبية عليها ورفع سخونة المواجهة الميدانية لتحقيق مكاسب على الارض، وهذه ستؤثر على مواقف الاطراف المتصارعة فتحد من مرونتها اما عبر سعي بعضها لاستثمار تقدمها على الارض او تحفظ بعضها الاخر بسبب تراجعها على الارض ورفضها تقديم تنازلات تحت ضغط التراجع والقبول بخيارات لا تستجيب لتطلعاتها ومصالحها. وهذا سيجعل فرص التقدم على طريق الانتقال من المشاورات الى المفاوضات بعيدة وغير واقعية.
تبقى السقطة الخطيرة التي وقع بها المبعوث الدولي في احاطته الى مجلس الامن حين أكد بعد حديثه للمجلس عن فكرته اجراء مشاورات “انه لا يعلق امالا كبيرة على فرص نجاحها”. اذ من المسلم به ان الدبلوماسي الناجح لا يتعاطي مع كلمة “لا” ولا يستخدمها، لأنها وفق قول استاذي الدكتور محجوب عمر (رحمه الله) بلهجته المصرية المحببة “تبقى خيبة”. فما جدوى هذه العملية الضخمة والطويلة والمكلفة إذا كانت دون طائل، ام ان السيد دي ميستورا يسعى للالتفاف على فشله وتبرير بقائه في منصبة لفترة أخرى؟!.
كاتب وناشط سياسي سوري