سامي الساري
منذ بدء توارد الأنباء عن قيام روسيا بكتابة “دستور” للسوريين بدون (لا إحم ولا دستور) من السوريين أنفسهم، حتى بدأت بعض الأصوات القومجية العروبية تشعر بالخطر الروسي، فطوال سنوات الثورة لم نسمع منهم أي إدانة للمجازر التي يرتكبها الروس والإيرانيون والنظام الدكتاتوري بحق السوريين والسوريات، بل على العكس من ذلك فقد صدعوا رؤوسنا بالممانعة والمقاومة، وأن هذا النظام وحلفاءه هم الحصن المنيع وقلعة الصمود الأولى ضد “إسرائيل”، فظهر أحد القومجيين العرب يحذر من هذا “الدستور” وأن هنالك فقرة تخصّ الجيش السوري تقول صراحة إن الجيش ليس مكلفاً بخوض معارك خارج الحدود، ويحذر هذا القومجي أنه بهذه الفقرة لن يتمكن الجيش السوري الممانع من تحرير فلسطين واستعادة الأندلس، وقد نسي أو تناسى هذا القومجي الممانع أن هذا الجيش لم يكن يوماً جيشاً وطنياً؛ بل جيشاً مجرماً عندما بدأ بقتل المتظاهرين السلميين، وقصف بيوت المدنيين بالأسلحة الثقيلة، وتهجير وتشريد السكان وسرقة ممتلكاتهم.
بالعودة إلى الدستور الروسي المقترح، فعلى مرّ التاريخ سمعنا وقرأنا أن العديد من الدول قد قامت باحتلال دول أخرى واستعمارها وفرض هيمنتها، أما أن تقوم دولة بكتابة دستور لدولة أخرى فهذا لا يذكرنا إلا بمشروع “بول بريمر” في العراق الذي زرع بذور الطائفية الأولى في العراق، وقسّمه إلى أقاليم، بل ودمّره ومهّد لظهور التنظيمات الإرهابية كتنظيم داعش والحشد الشعبي، اللذين يرتكب كلاهما أفظع الجرائم بحق الشعب العراقي، بالإضافة إلى نشوء دولة ضعيفة يشوبها الفساد السياسي والاقتصادي، بل أصبح العراق دولة تابعة ومحتلة من قبل إيران، ومهددة بانفصال إقليم كامل عنها (كردستان).
مشروع الدستور السوري الذي صاغته روسيا، وقدمته إلى فصائل المعارضة خلال اجتماعهم في العاصمة الكازاخية أستانة ، أثار عاصفة من الجدل لدى مختلف فئات الشارع السوري. وعلى الرغم من تأكيد المعارضة التي اجتمعت في أستانة أن مشروع الدستور لم يناقش، بل إنها تركت المسودة على الطاولة، فقد عاد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى محاولة تسويقه من جديد خلال لقائه في موسكو وفوداً معارضة لم تشارك في محادثات أستانة، وغابت عنه أبرز التكتلات السياسية المعارضة. في هذا الاجتماع؛ دافع لافروف بشراسة عن مشروع الدستور، موضحاً أنه سيتم تقديمه للجميع (بالغصب): النظام والفصائل والقوى السياسية السورية، وأنه من الخطأ مقارنة مشروع الدستور الروسي لسوريا، بالدستور الأمريكي الذي وضعه بول بريمر للعراق، معتبراً أن مشروع بريمر الطائفي قد وضعه المحتلون، وفرضوه على الشعب العراقي، وأن بلاده لا تحاول فرض اقتراحاتها على أحد، وأن السوريين هم أصحاب القرار الأخير في الموافقة عليه.
وقالت ماريا زاخاروفا، الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، إن الهدف من طرح ما أطلق عليه “المشروع الروسي” للدستور السوري الجديد، هو تشجيع السوريين على بدء المناقشة حول الموضوع. وأوضحت زاخاروفا، في تصريح صحفي، الخميس 26 يناير/كانون الثاني: “طبعاً، ليس هناك أي مساع للإجبار، وهو ليس برنامجاً ثابتاً للخطوات، إنما يدور الحديث عن مجموعة أفكار متنوعة، والهدف من طرحها هو مجرد البدء في الحديث حول هذا الموضوع”.
لكن من خلال المعطيات والدور الذي تقوم به روسيا، عبر إنشاء قواعد بحرية وبرية داخل الأراضي السورية، بالتأكيد إن هذا الدستور الروسي سيعمل على معالجة تلك الهواجس الروسية التي تحدثت عنها وسائل الإعلام الروسية، والتي حذرت من تكرار التجربة في فيتنام؛ حيث سمحت الحكومة في هانوي بإقامة قاعدة بحرية، سرعان ما تراجعت عن دعم وجودها فيما بعد، ما أفضى إلى إغلاقها ووقف العمل على تطويرها في حينه.
فالضامن الحقيقي ليست الاتفاقات المتغيرة، بل الدساتير وما تتضمنه من بنود لترسيخ النفوذ والحفاظ عليها، ومحاولة الهيمنة عبر التحكم بمفاصل الدولة.
وإن كان عكس ذلك، أيعقل أن يفرض الروس أهم وثيقة وطنية على السوريين ألا وهي الدستور؟!
وبعيداً عن مناقشة هذا الدستور من الناحية القانونية، وهو باطل بالأساس؛ لأنه كُتب بأياد غير سورية، فحقّ الشعب في كتابة دستوره هو بداية الانطلاق من أجل تحقيق دولة عصرية متقدمة.. وهذا الحق يعنى حق الشعب في اختيار أدوات حكمه، وتحديد كيفية وشروط العمل السياسي في البلاد. إذ لا يمكن لأي شعب من الشعوب أن يكون حراً إذا فقد هذا الحق.
أما عن دستور بريمر الجديد في سوريا (دستور من خاطركم) فلن يمر على السوريين؛ فالشعب السوري قد اتخذ قراره منذ أن بدأ ثورة الحرية والكرامة لتكون سورية هي دولة المواطنة والعدالة والمساواة، ولن تشرق الشمس لا من موسكو ولا من الرياض أو طهران، فالشمس لن تشرق إلا من دمشق.. بلاد الشمس.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج