اولا: عوامل ضعف ذاتية تنتاب مشروع الثورة والكل يدركها ويعييها جيدًا، ومنها التشرذم والاجندات والمال السياسي وغياب القيادة السياسية والعسكرية القادرة على إدارة دفة هذا المشروع، وغيرها من امراض، والكل يدرك هذه الحقائق والكل يجيد توصيف الواقع وتحليل مشكلاته ومآسيه واسبابه ودوافعه وارهاصاته ونتائجه.
ثانيا : عوامل قوة يشترك بها مشروعا النظام وداعش وان اختلفت اشكال والوان كل من هذين المشروعين، ولعل السمة الاساسية التي يمتاز بهما هذان المشروعان ويفتقدهما مشروع الثورة هو فكرة الدولة وطرق بنائها وادارتها وبناء مؤسساتها، أي بالمختصر العمل بمنطق الدولة ويمكن تلمس هذا الامر من خلال ثلاثة مؤشرات اساسية وهي:
1 – المشروع الجامع
فكلا من النظام وداعش يملك مشروعاً واضحا لبناء دولة تحقق له مشروعه وان اختلفت من حيث الشكل او المضمون، فالنظام يريد دولة تحقق له استمرار بقاء نظامه الديكتاتوري وتحفظ له تسلطه على رقاب السوريين، والكل يرى تطبيقات هذا النموذج في مناطق سيطرة النظام. وداعش في نفس الوقت لديها مشروع ظلامي تحت يافطة بناء دولة الخلافة، وهي تعمل بشكل حثيث على اظهار هذا المشروع بشكل واضح في المناطق التي تقع تحت سيطرتها
اما الثورة فعلى النقيض من هذان المشروعان لا تمتلك حتى الآن مشروعا واضحاً أو محددا،ً ولا حتى خطاب موحد يمكن ان تلتقي عليه قوى الثورة، فكل فصيل يحلم بدولة على مقاسه او وفق أيدولوجيته وتوجهه، ولعل اصعب مهمة واجهت الثورة منذ اول يوم ولحد الان هي في صياغة مشروع سياسي جامع ويشكل ارضية مشتركة للجميع، ويرصف الطريق لسورية المستقبل.
2-القيادة الكاريزمية
فكلا من داعش والنظام يملك قيادة كاريزمية تمثل مشروع كل منهما، بل يمكن القول ان قيادة كل من النظام وداعش تحقق الترابط ما بين فكرة المشروع ومؤيدي هذا المشروع، اما الثورة فتفتقد ذلك. فما كان في بداية الثورة نعمة وهو اتصاف الحراك الثوري بالشعبي والعفوي، مما جعل النظام عاجزا على مواجهته، اصبح نقمة للثورة، فطول عمر الثورة اصبح يلزم الثورة بأن تستجيب لتحديات ومسؤوليات تستلزم وجود قيادات تتحمل مسؤولياتها، وقد ادرك النظام هذه الحقيقية، لذلك عمل على افراغ الساحة السورية من القيادات الكاريزمية المرشحة لقيادة الثورة من خلال اعتماد سياسية القتل والاعتقال والتهجير الاجباري، حتى غدت الثورة السورية ثورة دون راس، وكما يقول حازم نهار فإن ثورة دون رأس سوف تنتج بلا شك ثورة بألف رأس، وهذا ما نراه اليوم واضحاً على امتداد الرقعة الجغرافية السورية، ففي كل منطقة يتزعم أمير حرب، وفي كل قرية قائد مختلف، والمعارضة السياسية متمثلة بالائتلاف هي هياكل فارغة لا تعدو أن تكون اكثر من زينة تضعها الدول الإقليمية والدولية على طاولة الرهان السوري، واليوم أصبح من الضروري العمل على ايجاد قيادات كاريزمية للثورة تكون الممثل الحقيقي والشرعي لمشروع الثورة، وهذه القيادة يجب ان تحمل لواء مشروع الثورة ولا يجب بنا انتظار ظهور هذه القيادات بل العمل على ايجاد هذا القيادات ورفدها بوسائل النجاح.
3 – مؤسسات دافعة
إن وجود المشروع وقيادة المشروع لا تكفي لان يستمر المشروع، بل يحتاج الى مؤسسات قادرة على تنفيذه، والنظام وداعش تدركا ذلك، فهما يسخرا كل الامكانيات المتوافرة لديهما في بناء مؤسسات تخدم مشروعهما، النظام يستغل كل مقدرات مؤسسات الدولة السورية لذلك، وداعش تسرق النفط السوري وتستغله في زيادة قوتها، وما يثير الاستغراب ان داعش استطاعت توفير غالبية الخدمات الضرورية للمواطن في مناطق سيطرتها بينما عجزت قوى الثورة عن تقديم جزء قليل من هذه الخدمات للمواطن السوري في اماكن سيطرتها، لذلك فعلينا إعادة النظر في طريقة بناء مؤسساتها وفي طبيعة الفكر الذي يجب ان تحمله هذه المؤسسات، فمثلاً النظام لديه جيش واحد وداعش ايضا بينما نحن لدينا مئات الكتائب والالوية المتعدة الولاءات والانتماءات.
ان الامر الاساسي الذي يجب ان نفهمه وندركه هو ان كلا من النظام وداعش يمتلك مشروعا واضحاً للدولة وقيادة كاريزمية تمثل هذا المشروع ومؤسسات حاضنة ومنفذة لهذا المشروع، ولن يكتب لنا الانتصار عليهما الا بصياغة استراتيجية مضادة لهما تقوم على إيجاد مشروع الثورة لبناء الدولة في سورية وقيادة كاريزمية تمثل هذا المشروع ومؤسسات حقيقية تنفذ هذ المشروع، ودون ذلك فمهما امتلكنا من احقية ومشروعية فان انتصارنا سيبقى بعيدا ومعاناة شعبنا سوف تستمر .
كاتب وصحفي من داخل الغوطة الشرقية – ريف دمشق