Site icon مجلة طلعنا عالحرية

داريا الصدمة

أحمد منصور

لا يستطيع المتابع للشأن العام في سوريا المضي بالتحدث عن مآل وصدمة ما حصل في داريا دون أن يتوقف عند بعض الأسئلة.

– هل كان اتفاق خروج أهل داريا معلوماً مسبقاً لو لم يتم الحديث عنه عبر وسائل الإعلام قبل أيام قليلة من قبل التمثيلات السياسية المعارضة والقوى المتحاربة والنظام الطاغية؟!

عن ماذا كشف لنا وقع الصدمات التي تلقاها الجميع بعد سماعهم الخبر وما هي أدوارهم بهذا الحدث؟!

– هل هناك وجود للـ “النظام والمعارضة” في اتفاقيات زيوريخ وفينا وأوراق جنيف التوافقية حول سوريا؟!

داريا الثورة ليست الأولى وليست الأخيرة ضمن مآل وظيفة الحرب.

من الواضح أن وظيفة الحرب في سوريا لم تنتهِ بعد، وأي حديث عن إطار سياسي للحل هو خارج الواقع والمنطق، على أقله في المدى المنظور، وهذا يعود إلى ارتسام لوحة اصطفافات وتحالفات جديدة في الصراع، سواء على الأرض السورية أو على امتداد الصراعات نحو اليمن جنوباً، والعراق شرقاً، وصولاً إلى القرم وأوكرانيا شمالاً مروراً بأوراسيا.

وإلى أن تتشكل وتكتمل مشهدية المنظومة الدولية القادمة، والتي تبنيها تقاطعات المصالح الدولية ومن ثم الإقليمية، والتي تؤثر بشكل مباشر على إدارة لوحة الصراعات الحاصلة في سوريا؛ فالجبهات المتحاربة في سوريا، تستمد بقاءها من خلال استمرارية هذا الأداء الوظيفي المرهون بسياسات ومصالح تلك الدول.

وعلى وقع وظيفة الحرب والسلاح إقليمياً ودولياً، تستمر عملية إعادة الموضعه وتوظيف السلاح، سواء في معارك تلعب دوراً في ترجيح وتعديل موازين القوى (حلب ومنبج وجرابلس) أو في عملية الاستغناء عن هذا السلاح لغياب ضرورات وظيفته على جبهات أخرى (باب عمرو والقصير واليوم داريا) وينطبق هذا أيضاّ على جبهة غوطة دمشق الشرقية والغربية والقلمون، وجبهة الساحل وجبهة درعا.

وفي ضوء هذه الوقائع السابقة نجد أن وظيفة الحرب ليست متوقفة على قوى التحارب فقط، بل هي تمتد إلى تمثيلات سياسية رسمية سواءً لدى النظام أو المعارضة، إذ يشير أداء نظام الطاغية واستجاباته للإملاءات الروسية والإيرانية، إلى خروج القرار من يده سياسياً وميدانياً، ويشير أداء التمثيلات السياسية المعارضة (ائتلاف وهيئة تفاوض) وغيابها التام عن أي فعل أو تأثير أو استجابات للاستحقاقات الوطنية الماثلة والمتسارعة.. إلى ارتهان أدوارها وانتظار الإملاءات أيضاً تبعاً لتقارب أو تباعد تلك الدول (أمريكا وتركيا وقطر والسعودية وغيرهم).

ووفق السياقات السابقة وباعتبار تضحيات ملايين السورين (قتل واعتقال وتهجير) فقد حان وقت مغادرة تلك المعارضات مع أمراء الحرب لولاءاتهم المصالحية والنفعية التي لا علاقة للسوريين فيها، بعيداً عن راية السوريين وشعارات ثورتهم وأياً كانت أدوارهم في تسوية قادمة (إلى جوار الطاغية)، فالسوريون سيستبدلون أدواتهم ويستعيدون من جديد حلمهم المسروق.

وضمن إطار هذه التساؤلات يمكن لنا الاستخلاص بأن أجسام المعارضات سواء السياسية  وحتى العسكرية (مجموعات الجيش الحر والفصائل الإسلامية) مصابة بالعطب والشلل وتعيش حالة من الفراغ والإفراغ بالمضمون كُلياً فكيف يمكن تمرير مثل هذا الاتفاق دون علم أحدهم ما عدا أهل داريا ذاتهم، وخصوصاً بعد تصريح روسيا على لسان وزير خارجيتها الذي صرح قبل يوم عقب مؤتمره الصحفي مع جون كيري بأن هذا الاتفاق تم برعاية ومتابعة وضمانة روسيا، وأن لا أحد له علم بذلك حتى نظام الطاغية لا يوجد له أي دور مباشر به، بل كان أيضاً من الذين تم إعلامهم لاحقاً، فمثل هذا الاتفاق الذي تم إبرامه بغض النظر عن الحالة المعيشية والدفاعية المتردية التي وصل إليها أهلنا والفصائل الموجودة في داخل داريا والتي لا يمكن إلا مبادلتهم بالشكر العميق على اتخاذهم لهذا القرار الشجاع بكيفية محافظتهم على المدنيين وذويهم وأنفسهم (قرار الشجعان).

وضمن هذا السياق نستطيع الوصول إلى أن كل ما يحدث في سوريا هو خارج إطار السوريين وليس لهم علاقة به (سياسياً وعسكرياً ومدنياً) بل إن المحركات الدولية المؤثرة هي من بدأت تدير ساحة الاحتراب السياسية والعسكرية بالداخل والخارج السوري بشكل مُباشر، وأقصد هنا “نظام الطاغية والمعارضات وقوى التحارب” وعلى ما يبدو أنه حتى الدول الإقليمية أيضاً بدأت بإعادة موضعتها لتتماها ضمن هذه المُحركات وتُقلص أدوارها تدريجياً ضمن عملية محاكاة إيجابية تنحسر في محاولات الاحتفاظ بالمصالح المُكتسبة بعيداً عن المُشاغلات والمشاغبات.

وهذا بحسب اعتقادي يندرج في إطار التوافقات الدولية المسبقة بين القوى المؤثرة والإقليمية على كيفية إيجاد مناخ موائم لإعادة ترتيب ساحة الصراع وإدارتها إلى حين استنفاذ وظيفتها الإقليمية والدولية، والذي يشمل ليس فقط ما حدث في داريا بل ما يحدث في كل مناطق سوريا، وخصوصاً جبهات الاصطدام المباشر بين قوى الاحتراب المتباينة التي بدأت تتشكل ملامح انحسار مسمياتها تدريجياً لتنحسر ضمن مروحيات مُتعددة وواضحة (النظام وما يتبعه لاحقاً، داعش وما يتبعها، القاعدة ومن يدور في فَلكها).

وفق هذا المنظور نجد بأن ما حدث في داريا (باعتباره جزء من الحفاظ على مراكز القوة والتعبير السياسي الرسمي والقانوني الدولي كدمشق العاصمة ومحيطها) وما يحدث في عدة مناطق ثانية وما سيتبعه أيضاً يمر عبر إعادة تدوير الصراع وترتيب الأوراق التي يملكها أقطاب الصراع وفق أولويات تخدم مواقعهم ومصالحهم في لوحة الصراع ليس السورية فقط بل والدولية بمجملها.

إلى ذاك الحين وبغياب المشروع الوطني السوري ستكون أدوار التمثيليات السورية على اختلاف مشاربها “نظام ومعارضة” مجرد شخوص في مسرح الظل الذي تنتهي أدوار من يلعب على مسرحه بمجرد الوصول إلى نهاية العرض. للأسف هو عرض لمرة واحدة وبفاتورة دماء السوريين.

Exit mobile version