ثقافة

خواطر حول الوطن

همام يوسف

كنت أستمع إلى الموسيقى التي تنساب في أنحاء المقهى الصيفي وتنتقل موجاتها من طاولة إلى أخرى، في ليلة سماؤها صافية ونسماتها عليلة تداعب الزهور والورود المتناثرة ما بين المرتادين المتسامرين…

وأفكر… هذه الموسيقى في هذا الجو الهادئ الجميل هي ما سيبقى في أذهان الموجودين عن «وطن» جمعهم في لحظة ما…

على كل طاولة، كان هناك نقاش وحديث مختلف، لكنهم في لا وعيهم كانوا جميعا يستمتعون بالموسيقى والنسمات العليلة ويتوحدون فيها بشكل من الأشكال… الموسيقى كانت الأواصر التي ربطت وجمعت ما بين فسيفساء «أوطانهم» وأطرتها في «وطن» كبير احتواهم جميعاً.

ما يسميه كل واحد منا «وطن» هو ما عاشه واختزنه في ذاكرته.. هو مختلف عن «وطن» الآخرين… وكان يمكن له أن يتداخل مع كل «اﻷوطان» ليشكل من كل هذه الفسيفساء صورة كبيرة لو أتيح للناس حياة طبيعية هادئة يغمرها السلام والألفة.. الأمر الذي حرمنا منه لنصف قرن على الاقل… ما تبقى لنا هو فقط تلك التجارب المريرة والمحن والشدائد والقمع الجماعي الذي شكل الإطار الجمعي الوحيد لكل الأوطان الصغيرة.

في حالتنا، في سوريا «الأسد»… الموسيقى كانت… ضجيحاً وصراخاً وصيحات ألم وغضب ومرارة… أصوات قمع وقهر ونداءات استغاثة… حالة طوارئ وعسكر وبساطير وانفجارات وتبعثر حريات… هل يمكن لـ «وطن» على هذه الشاكلة أن «يجمعنا» أم أنه تحول إلى خطر كبير مميت لكل «أوطاننا» الفردية؟

صار الوطن المتخيل وهماً…

وصارت علاقتنا بـ «الوطن» المتاح… اعتياداً…

وتقلص «وطننا» إلى أوطان فردية متناثرة… خائفة من بعضها…

To Top