“.. لو شو ما أكلت وما أكلت خبز بيبقى ألف وطن فيك جوعان..الخبز طحين والطحين قمح والقمح بيادر والبيادر وطن… الخبز هو الشي الوحيد اللي بيخلي كل شي موجوع فيك يكنّ.. اي صدق.. وحتى لو البحص عم يكسر بقايا اسنانك.. لو بتعرفه مدود.. اللي عم يموتوا وهن عم يكنسوا بقاياها من الارض لتعمل رغيف لولد جوعان. آآآه “.
كان ذلك جزءا من محادثة بين صديقين، “سرقتها” من أحدهما بعدما أذهلتني في وصفها وجمالها وألمها.
لا شيء يمكن أن يكون بديلا عن الخبز. لذلك ربما، ورغم عشرات المواد المفقودة في المناطق المحاصرة، كان الخبز هو وحده سبب خروج مظاهرات تنديدا بالمجالس المحلية والهيئات الشرعية للمطالبة بتوفيره.
كنت في البداية أتساءل ما الغاية من تلك المظاهرات ولا شيء عمليا يستطيع المجلس المحلي أو غيره فعله لتوفير الطحين. قوات النظام إما سيطرت على المطاحن أو أحرقت المحاصيل، فلماذا الاحتجاج على أهل الثورة؟!
لكن تبين أن الغضب له ما يبرره. فالأفران تخبز لكتائب معينة، وترسل أرغفة الخبز إلى الجبهات، في الوقت الذي تحصل فيه العائلة على بضعة أرغفة فقط خلال أسبوعين أو ثلاثة.
من أين تحصل تلك الكتائب على مادة الطحين؟؟ وبأي حق تحتفظ به لنفسها؟ وحتى لو قامت بين حين وآخر بتوزيع بعضه على المدنيين، فبأي حق تحتكره وهو ملك عام وللأطفال وعائلاتهم الحق فيه أولا وأخيرا، ولماذا لا يتم تسليمه للمجالس المحلية وهيئات الأفران بدل التصدق ببعضه على الناس؟!
لا أعتقد أن مقاتلا على الجبهة يضحي بالغالي والرخيص من أجل قضية يؤمن بها، يكترث قليلا أو كثيرا إن توفر له رغيف الخبز في وجبته أو لم يتوفر، طالما أنه يعلم أن أطفاله وأطفال مدينته سيحصلون على هذا الخبز في هذه الظروف الصعبة.
المسألة متعلقة بقادة تلك الكتائب، تقديم الامتيازات لأعضائها، التفكير السلطوي الذي يجعل من مايتم تقديمه وسيلة لإحكام السيطرة والحصول على الولاء المطلق. لا أستطيع أن أجد تفسيرا آخر لذلك السلوك.
مادة الطحين يجب أن لا تخرج عن الأفران العامة، التي يستفيد منها الجميع. الخبز إن خضع للاحتكار والمساومة وشراء الذمم، تكون بيادر قمحه قد تحولت إلى تربة ملوثة لن تنبت خيرا..
محامية وناشطة سورية في مجال حقوق الإنسان. شاركت في الثورة السورية عام 2011 وكانت من مؤسسي لجان التنسيق المحلية التي نشطت في تنظيم الحراك السلمي في الثورة السورية، حاصلة على عدة جوائز عالمية في مجالات حقوق الإنسان وحرية الفكر.
مارست عملها الانساني في ريف دمشق دوما وفي نهاية عام 2013 اختطفت مع ثلاثة آخرين من زملاءها (سميرة الخليل، ناظم حمادي، ووائل حمادي) من قبل الجماعات الإسلامية التي سيطرت على مدينة دوما.
رزان من مؤسسي مجلة طلعنا عالحرية وظلت حتى اختطافها من محرري المجلة الأساسيين.