التقينا المرة الاخيرة مصادفةً بإحدى مقاهي غازي عينتاب. تحدثنا كثيراً عن كفرنبل واتحاد المكاتب الثورية والأعمال التي يقومون فيها. كان يتحدث عن كل تفصيلة من تفصيلات العمل في كفرنبل. كانت الثورة في كفرنبل هي طفلة صغيرة لديه يخاف عليها ويؤمن بأن ثورة كفرنبل يجب أن تنتصر. لم يكن بخاطري أن هذا هو اللقاء الأخير. عندما سمعت الخبر تذكرت قبل عام ونصف كيف التقيت فيه في المرة الأولى في كفرنبل.
في كفرنبل…لأول مرة لم يجتمع الحشد لرفع لافتة جديدة تحكي قصة ثورة يتيمة. اليوم كان خالد، الشهيد، هو من رفع على الأكتاف، منهياً رحلة دامت أكثر من خمس سنوات من ثورة وبطولة.
خالد العيسى ابن الرابعة والعشرين ربيعاً قضى جراء استهداف مكانه بسيارة مفخخة.
خالد عندما بدأت الثورة السورية في ربيع العام 2011 كان لا يزال في ريعان شبابه بعمر التاسعة عشر. شارك خالد في التظاهر والحشد للثورة منذ الأيام الأولى إيماناً منه بحق الشعب السوري في حريته وكرامته وإرادته للوصول لهما من خلال إسقاط نظام الأسد الحاكم. كان خالد أحد مؤسسي اتحاد المكاتب الثورية الذي كان أحد المنارات الثورية التي أضاءت بنورها سوريا والعالم، وأوصلت صوت الثورة السورية حتى أقاصي العالم من خلال اللافتات التي خطها أبناء كفرنبل. احتضن اتحاد المكاتب الثورية عدة فعاليات منها راديو فريش المحلي في كفرنبل. الراديو الذي يكتب ويبث في الداخل السوري، والذي تم إغلاقه قبل يومين من التفجير من قبل جبهة النصرة.
قام خالد أيضاً بمساعدة أمه السيدة غالية رحال بافتتاح مركز مزايا لدعم المرأة، الذي بدأ في كفرنبل ثم توسع ليدخل في عدة مدن وقرى في ريف إدلب. مركز مزايا عمل على دعم المرأة السورية من خلال فعاليات المركز والنشاطات التي كان يقوم بها. ودعم مشاركة المرأة في المجال العام.
في المدة الأخير قام خالد بمرافقة الصحفي والثائر هادي العبد الله في تغطياته الصحفية للمعارك والأحداث التي تتم في محافظتي إدلب وحلب، وليوصل حقيقة ما يجري للعالم.
استهدفت سيارة مفخخة مقر إقامة خالد وهادي بليلة 16 حزيران 2016 وأصابته شظية في الرأس. نقل بعدها إلى إحدى المشافي التركية ليتم بعدها العمل على نقله إلى ألمانيا ولكن كانت الشهادة أقرب حيث أعلنت وفاته ليلة يوم الجمعة 24 حزيران ودفن في مدينته كفرنبل يوم 25 حزيران.
خلدته أمه غالية رحال بقولها “ شهيد ياعمري؟ صار اسمك شهيد …الله يهنيك يا أمي بإسمك الجديد …صار اسمك شهيد .. أمنتلي الجنة قبل ماموت… داير بالك عليي بالدنيا والأخرة … رتحت هلق ياعمري؟ … الله يهنيك … الله يرضى عليك برضاي عليك … ربينا سوا انا وانت كنت اقرب من روحي الي ..تم قريب مني ..خلي روحك معي .. بتكفيني روحك الطاهرة تزورني .. وتحسسني بوجودك .. انت ماعدت جسد ولحم.. انت روح .. و رح ضل روح”
كما خلده رفيق دربه رائد الفارس بقوله:
“ أنطاكية الساعة الثالثة والعشرون من يوم الجمعة ٢٤ حزيران ٢٠١٦
كتبك الله من الخالدين, اصطفاك حياً لاتموت
وحده يعلم كم تستحقها يا بني, وحده يعلم نقاءك يا قرة عيني
اليوم أنت حرٌ.. تحررت من قيد أجمل جسد وانطلقت نفسك الصادقة في فضاءات الكون تختار طيب ماتشاء لأنك تستحقها
يا مهجة الروح انت سأشتاقك ما حييت وسأبكي فراقك بقية عمري
يا قلبي وألمي ووجعي لن يكون أحد مكانك يا بني.. يا فراقك سيكويني ويحرقني وكيف تجف دمعتي وانت بعيد
كيف أكون أنا وأنت لست معي؟ ولماذا أنتظر شروق الشمس ونهاري ليس مليئا بضحكاتك وألقك ورشاقة اللحظات مع كلماتك
سأراقب القمر علّي أجد فيه وجهك, وأرصد النجوم فبريقها يا ولدي يشبه بريق عينيك, حياتي عشتها دهراً وأجمل مافيها أني عرفتك, هي القصة كلها أني عرفتك, ومن يلامس قلبك يا ولدي يغمره الحب ولايعرف كرهاً أبداً, لايعرف حقداً أبداً.
سأظل أبكيك ما حييت وأي طعم للحياة بعدك’ وأي معنى وأي حياة يا مهجة الروح بعدك”
عزائي للثورة وعزائي لكفرنبل والعزاء الأكبر لأمه غالية ولصديقي دربه رائد وهادي .
بكالوريوس في إدارة أنظمة المعلومات من المعهد العالي لإدارة الأعمال في دمشق عام 2007. متطوع في عدد من المجموعات التي تعنى في اللاعنف والمقاومة المدنية في سوريا. أحد مؤسسي الدفاع المدني السوري عندما كان يعمل في وحدة تنسيق الدعم.