Site icon مجلة طلعنا عالحرية

حين يصبح القبر حلماً

مريم الحلاق

حين أرى جنازة تمر بالقرب من بيتنا، أتخيل الميت شاباً، تتبادر إلى ذهني أشكال موته: هل كان مريضاً؟ هل أصابته رصاصة قناص؟ أم شظيّة من قذيفة أراد قاذفوها العبث بالأرواح؟ أم استشهد وهو يقاتل الأعداء أياً كانوا.

أفكر أنّه ربما لم يستشهد في الأقبية المُعتمة تحت التعذيب، فهناك، لا يُسلّم المسؤولون جثامين من قتلوهم في معتقلاتهم، وتحت سياطهم، من قتلوهم وهم يستمتعون بأنينهم وصرخاتهم حين تئز الكهرباء في أجسادهم، وحين تطقطق الفقرات في رقابهم وظهورهم، وتظهر علامات الانتصار على وجوههم حين يفارق الحياة أحد المُعَذبين!

أتخيل أمّ هذا الشاب وهي ملتاعة الفؤاد ولكنها مطمئنة! فهو سيكون قريباً منها ولو في قبره، فقد رأته وودعته، قد تكون عاتبته على رحيله المبكر؟ وعلى مغادرته الدنيا، ولابد أنها قبلته قبلة الوداع الأخير، الأمر الذي لم تفعله أمهات الذين استشهدوا تحت التعذيب، فهنّ لم يرين أولادهنّ، لم يودعنهم، ولم يعاتبنهم، ولم يقبلنهم.

هنّ يحلمن بقبور تضم أجساد أولادهن، يذهبن إليها كلما فاض الحنين وازداد الاشتياق، يحدثنهم عما جرى وما يجري في غيابهم؟ يبحن لهم بما يكتمونه عن أقرب الناس إليهن.

ولكن الحلم يبقى حلماً.

أرأيتم كيف أصبح القبرحلماً.

***********************

مريم الحلاق:
مدرّسة لأكثر من ثلاثين عاماً، ومدير مدرسة. وهي والدة الشهيد الطبيب أيهم غزول الذي قضى تحت التعذيب بتاريخ 29 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2012، بعد أربعة أيام من اعتقاله من حرم جامعة دمشق حيث تعرّض للضرب المُبرح في مقر ما يُعرف بـ (الاتحاد الوطني لطلبة سورية) في مبنى كلية الطب البشري بجامعة دمشق.
قضت مريم أكثر من عامين وهي تبحث عن إثبات حول وفاة ولدها، ومحاولة استعادة جثمانه، دون فائدة تذكر. تعرّفت مريم على صورة ولدها الطبيب أيهم في الصور المعروفة بـ”صور قيصر” التي تجاوزت 27 ألف صورة لأكثر من ستة آلاف شهيد سوري قضوا تحت التعذيب خلال الفترة ما بين 2011 و2013.

Exit mobile version