ثمانية آلاف وثلاثمائة مدني محاصر في داريا جنوب غرب العاصمة السورية دمشق. تترنح تحت وطأة الحصار من قبل قوات النظام السوري منذ أكثر من 44 شهراً. تشهد حملة عسكرية غير مسبوقة يسقط ضحيتها الأبرياء.
كل هذه التطورات المتسارعة دفعت ممثلية المجلس المحلي لمدينة داريا بمدينة غازي عينتاب التركية، لدعوة عدد من الصحافيين والنشطاء الإعلاميين ومنظمات المجتمع المدني والهيئات الإغاثية، لعقد ورشة عمل في مقر منظمة (بيتنا سوريا) بغية التحضير لإطلاق “حملة إعلامية مناصرة” للمدينة.
وأكد ممثلو المجلس المحلي لـمدينة داريا خلال لقائهم أن الهدف من الحملة، توجيه أنظار المجتمع العربي والإقليمي والدولي إلى الخطر الكبير الذي قد يواجه المدينة وباقي المناطق المحاصرة، سيما من تبقى من مدنيين فيها، جراء القصف العنيف والحصار الخانق منذ قرابة الأربع سنوات.
واستنكر المجتمعون صمت المجتمع الدولي وعجز الأمم المتحدة؛ أمام المجازر التي يرتكبها النظام السوري وخرق الهدنة المعلنة في 27 من شهر شباط/فبراير الماضي التي كانت بقرار من مجلس الأمن الدولي ذي الرقم 2254، والتي دعت جميع الأطراف إلى رفع الحصار، والسماح بإيصال المساعدات، ووقف الغارات الجوية، والقصف المدفعي على المدنيين، وإطلاق سراح المعتقلين.
الحملة أطلقت بعد أيام من تقدم قوات النظام السوري في المحور الجنوبي لمدينة داريا، في غوطة دمشق الغربية، وسيطرته على عددٍ من الأبنية شرقي جامع نور الدين الشهيد.
بدورهم سارع النشطاء لإطلاق حملة مناصرة لمدينة داريا، على موقعي التواصل الاجتماعي (تويتر) و (فيسبوك) تحت وسوم عديدة باللغتين العربية والإنجليزية، منها: (#كلنا_داريا)، (#أنقذوا_داريا، #Save_Daraya #Daraya).
ولدى حديثه مع جريدة “طلعنا عالحرية” شرح أحمد حلمي ممثل المجلس المحلي في مدينة غازي عنتاب، ان الحملة تهدف إلى توجيه رسالة للجهات ذات الصلة، من منظمات سورية عاملة بالشأن الإنساني والسياسي والثوري، وأكد أنها: “للمطالبة بإعادة تفعيل الهدنة في عموم سوريا، والتركيز على مدينة داريا المحاصرة كونها مهددة باقتحام عسكري في أي لحظة، ما قد يعرض حياة أكثر من ثمانية ألاف مدني لإبادة جماعية لا سمح الله”.
وتقول الأمم المتحدة إن هناك أكثر من نصف مليون سوري يعيشون في 18 منطقة في مختلف أرجاء سوريا، إحداها مدينة داريا. وسجلت وكالات الإغاثة الإنسانية العديد من حالات الوفاة بسبب الجوع جراء حصار قوات النظام في وقت سابق من هذا العام.
بيد أن فادي محمد المتحدث الرسمي باسم المجلس المحلي لمدينة داريا، من داخل المدينة، اعتبر أن كلمة حصار مصطلح فضفاض لوصف وضع داريا الحالي، ولدى حديثه مع جريدة “طلعنا عالحرية” أردف قائلاً: “ربما مصطلح داريا السجينة هو الأصح توصيفاً. والسبب غياب الحياة الطبيعية وحركة المدنيين وانعدام المحال التجارية وتوقف بيع وشراء المواد الغذائية والسلع التموينية، وهذه الحالة مضى عليها أكثر من ثلاثة سنوات”، وأضاف: “كل ما هنالك بعض تجار السوق السوداء يبيعون بأسعار غير قابلة للتقدير وإنما تبعاً للعرض والطلب، ولكن نحن نتكلم عن كميات مواد بسيطة جداً لا تتجاوز عشرات الكيلو غرامات من المواد الأساسية”.
وذكر فادي محمد أن 240 شخصاً لقوا حتفهم لأسباب تتعلق بالحصار، في حين توجد ثلاثين حالة مرضية حرجة تستوجب إخراجها من المدينة بأقصى سرعة.
وعمدت قوات النظام السوري إلى فصل مدينة معضمية الشام عن مدينة داريا المحاصرة، التي كانت تعتبر المعبر الإنساني الوحيد لأهالي داريا، حيث كان المدنيون يجلبون بعض المواد الغذائية البسيطة رغم صعوبة الطريق الواصل بينهما بسبب استهدافها من قبل القناصة.
وأشار أحمد حلمي أن الحملة أعدت مقاطع فيديو وصور فوتوغرافية ترصد معاناة المدنيين والدمار الذي طال المدينة. وقال: “ستنشر هذه الأنشطة وغيرها على صفحة المجلس المحلي لمدينة داريا، إضافة إلى توزيع انفوغرافيك يوضح عدد البراميل المتفجرة وبروشورات تسلط الضوء على داريا”.
وبحسب بروشور يظهر أن عدد البراميل المتفجرة التي أسقطتها الطائرات الحربية التابعة للنظام السوري على داريا بلغت 5260 لتاريخ 31/12/2016. حيث تعرضت المدينة للقصف بـ 765 برميلاً متفجراً في شهر كانون الثاني/يناير من العام الجاري وحده، في حين أسقط 839 برميلاً في شهر شباط/فبراير الماضي. ونالت المدينة 748 برميلاً في شهر حزيران/يونيو الماضي.
وعند التجول في شوارع البلدة تبدو مظاهر الدمار التي حلّت بها واضحة جراء المعارك العنيفة؛ حيث يمكن رؤية بعض المنازل التي أصبحت أثراً بعد عين ولم يتبق منها سوى الأطلال. أما التي نجت من القصف، فلم تسلم أبوابها ونوافذها من ضغط انفجارات البراميل المتفجرة بالمناطق المحيطة بها.
وأعتبر فادي محمد أن النظام السوري فعلياً يقتحم داريا بشكل مستمر منذ خرق اتفاقية وقف العمليات القتالية مؤخراً، وقال: “عملياته العسكرية مستمرة على الأرض في المنطقة الجنوبية والغربية من المدينة، والتي تهدف للسيطرة على الأراضي الزراعية مع بداية موسم حصاد القمح والشعير وبالتالي الهدف هو حرمان المدنيين منها”، منوهاً: “يعمل النظام على تضييق الخناق بشكل أكبر على المدنيين المحاصرين، واستثمر الصمت الدولي غير المبررّ من الجهات الراعية لهدنة وقف الأعمال العدائية”.
يذكر أن مدينة داريا كبرى بلدات غوطة دمشق الغربية وتقع على بعد ثمانية كيلومترات إلى الغرب من دمشق. تم حصارها منذ تاريخ 22/11/2012 سجلت حضوراً مبكراً منذ اندلاع حركة الاحتجاجات السلمية في ربيع عام 2011، ضدّ نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
صحفي سوري، عمل مراسلاً لعدة وكالات دولية وكتب في صحف عربية وغربية ومواقع سورية.