افتتاحية بقلم المحامي أنور البني
الحديث عن حقوق الإنسان مجدداً ربما يبدو نوعاً من المزاح غير المرغوب فيه الآن، خاصة بعد أكثر من خمسين سنة على انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، وبعد أكثر من خمس سنوات من ارتكاب جرائم كبرى بحق الإنسان في سوريا دون أن تقوم الدول المتبنية لهذا الشعار بأي فعل لوقف هذه الجرائم أو محاسبة مرتكبيها، وبعد الإحباط الكبير الذي أصابنا جميعاً من حاملي الشعار ومروجيه..
بل ربما الحديث عن حقوق الإنسان يثير احتجاجات كبيرة ممن كان يتأمل أن هذا الشعار وحامليه وقوته القانونية العالمية ستكون درع حماية حقيقياً للإنسان في سوريا، ولكن الواقع الملموس أحبط كل آمالهم ونشر اليأس بينهم من الشعار وحامليه، وسخروا من قوته القانونية الدولية. وسيلاقي ردود فعل معادية تماماً من قوى مسلحة أصبحت جزءاً من الواقع على الأرض، ومارست انتهاكات لحقوق الإنسان فأصبح الحديث عن حقوق الإنسان هو إدانة لها.
أعتقد أن هناك حقيقة كبيرة فيما ذكرناه، وأعتقد أن الحديث عن حقوق الإنسان بعد كل هذا الكم الهائل من الجرائم الفظيعة تحت عدسات التصوير وأمام أعين وسمع كل العالم دون أن يرف لهذا العالم جفن رغم كل الفظائع الموثقة.. هو كالحديث عن حلم جميل راودنا وأفقنا منه لنكتشف أنه ربما كان كابوساً.
نعم أعتقد أن هذا حقيقي.. ولكن..
مازلنا نؤمن أن مبادئ حقوق الإنسان هي حلم جميل، ومازلنا نؤمن أن أساس كل واقع حقيقي جميل الآن كانت بدايته حلم، وأصبح واقعاً حقيقياً بالعمل والجهد والتضحية.. وأساساً بالإيمان به. رغم كل ما يصيب أي تجربة من انتكاسات أو هزائم.
نعم ربما هو حلم الآن ولكنه سيتحول لواقع حقيقي بجهد الجميع وتضحيتهم وإيمانهم، ولا يعيب هذا الحلم أو يدنسه أن يتسلّق عليه من أراد، أو أن يستخدمه أحد للقيام أو تبرير جرائم، كما لا يمكن أن يفقد المسلم أو المسيحي أو اليهودي إيمانه حين يكون الأئمة أو الكهنة أو الحاخامات لصوصاً أو مجرمين يستغلون شعاراته ومواقعهم ليقوموا بجرائم تحت عباءته. كما لا ينتقص من حقوق أي قومية أن يكون قادتها أو حاملو لوائها مجرمي حرب يستغلون الشعار لارتكاب الفظائع، أو أن يستغل الشعار من أجل مصالح اقتصادية أو سياسية.
سيبقى الجانب الإنساني من كل دين أو قومية أو فكرة هو أساس الإيمان، لأن كلّ الأفكار والرسالات هدفها أساساً الإنسان.
يتوجب علينا أن نبقي إيماننا بحقوق الإنسان ثابتاً لا تزعزعه أي محاولة لتشويه الإنسان أو الانتقاص من حقوقه، ليس لأن ذلك مرتبط بشعار فقط، بل لأننا ناس كما الجميع. نحن محتوى هذا الشعار وليس هدفه.
لا يجوز بأي حال من الأحول ولا بأي دين أو مبدأ أن يتم التمييز بين البشر على أساس عرقهم أو دينهم أو جنسهم أو معتقدهم. كما لا يجوز حرمان أي أحد من العدالة أو الانتقاص من حريته. هذه مبادئ حقوق الإنسان الأساسية؛ (حرية. عدالة. مساواة).
ومن مبدأ الإيمان بهذه الثوابت ولأننا كناس أصحاب المصلحة الحقيقية برفع هذه المبادئ والدفاع عنها ونشر ثقافتها وتعرية كل محاولات التشويه والاستغلال لأجل مصالح شخصية أو اقتصادية على مستوى الأفراد أو المنظمات أو الدول..
ومن نفس المبدأ سنظل نعمل لتكون هذه المبادئ نبراساً لرسم خارطة طريق إلى مستقبل سوريا. ليكون هذا المستقبل جميلاً لنا ولأجيالنا القادمة، ولمساعدة السوريين على تبيان ما يهيئونه لأولادهم وأحفادهم من حياة.
إدارة مجلة “طلعنا عالحرية” التي كانت من أوائل من استشعرت إحساس السوريين بخروجهم للحرية في بداية ثورتنا الجميلة قامت مشكورة بتخصيص زاوية مهمة للحديث عن هموم حقوق الإنسان في سوريا ونافذة للتواصل معكم بشكل تفاعلي، ننتقي فيه ما يخدم تطلعاتنا جميعاً لبناء غدٍ أفضل نطلع فيه من غياهب الاستبداد والقمع والإقصاء إلى الحرية!
سنكون معكم بكل عدد آملين أن يكون ذلك جزءاً من عمل كبير نشارك فيه جميعاً.
رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، محرر قسم حقوق الإنسان والمجتمع المدني في مجلة طلعنا عالحرية