محادثات السلام على الطريقة الروسية:
تحديد الموقع فالاغتيال
يُحكى أنه قبل نحو ثلاثين عام، زوّدت الاستخبارات الأمريكية الروس بشفرة الهاتف الفضائي الذي كان جوهر دوداييف يستخدمه، لتغتاله روسيا بصاروخ موجه.
في حديث خاص لمجلة “طلعنا عالحرية” أكدّت زاريما أحمدوف من إشكيريا (الشيشان) هذه الرواية. زاريما هي ابنة إلياس أحمدوف وزير خارجية إيشكيريا السابق والمطلوب في روسيا على أنه إرهابي لمطالبته باستقلال بلاده، ويعيش حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية لاجئاً سياسياً.
قالت زاريما إن الاستخبارات الأمريكية قدّمت لروسيا التكنولوجيا اللازمة لتحديد موقع دوداييف من خلال هاتفه النقال. اتّصل الروس بدوداييف هاتفياً بذريعة محادثات السلام ليحددوا موقعه، ثم استهدفوه بصاروخ موجه أطلقته مقاتلة روسية من نوع “سوخوي 25” ما أدى إلى مقتله. أضافت زاريما: “أريد أن أقول أيضاً أن بلدي اسمه إشكيريا، وأن استخدام تسمية “الشيشان” الروسية هو إنكار لحريتنا واستقلالنا عن روسيا، وتدعم هذه التسمية البروباغاندا الروسية بأن ما يفعله الروس في بلادنا هو “شأن داخلي روسي”، وهو ما ينزع المسؤولية عن جميع المجرمين الذين وقفوا متفرجين وقاموا بأعمال تجارية مع روسيا الإرهابية. كان لدينا رئيساً منتخباً ديمقراطياً ودستوراً وأمة منظّمة قبل أن توجد دولة اسمها روسيا رسمياً في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي”.
دوداييف مؤسس إشكيريا أو دولة الشيشان الحديثة، وقائدها إلى الاستقلال حين صدّ عام 1994 نصف مليون جندي روسي تدعمهم المدفعية والراجمات والطائرات، أرسلتهم روسيا بحجة إعادة الأمن إلى الشيشان. خاض الشعب الشيشاني بزعامة دوداييف، حرباً راح ضحيتها 200 ألف معظمهم من المدنيين وهزموا روسيا العظمى بعد 20 شهراً من المعارك.
عاد الروس عام 1999، ليفرضوا حصاراً مطبقاً على غروزني عاصمة الشيشان، وشرعوا بتدميرها. استخدم الجيش الروسي مختلف أنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دولياً والكيماوية. حجبت الطائرات الروسية سماء غروزني ودكّتها بمن فيها، واكتفت الأمم المتحدة بوصفها بـ “المدينة الأكثر دماراً على وجه الأرض”، بعد أن قتل الروس نحو ربع سكان الشيشان. احتل الروس الشيشان حتى 2001 حين أمر فلاديمير بوتين سحب قوات جزئي من الشيشان، بعد أن شكّل حكومة تابعة لروسيا، وأطلق يد الاستخبارات الروسية في البلاد، وهو الجهاز الذي كان يرأسه، وكلّفه بتصفية زعماء المعارضة الشيشان. نصّب الروس أحمد قاديروف رئيساً للبلاد بانتخابات مزورة. وهو والد رئيس الشيشان الحالي رمضان قاديروف الملقب بـ “صبي بوتين”، الذي طلب من بوتين السماح للقوات الشيشانية بالقتال في سوريا مع الأسد، وأعلن منذ شهر عن عزمه زيارة الأسد في دمشق.
يبدو أن بوتين يكرر في حلب السورية ما فعله بغروزني، بعد أن زوّده جون كيري وزير الخارجية الأمريكي بشيفرة اغتيال حلب، حين قال لصحيفة “نيويورك تايمز”: إن الروس قد يتحركوا باتجاه حلب لأن أعضاء جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة، موجودون في أجزاء من المنطقة، وأنهم إرهابيون وليسوا طرفاً في اتفاق وقف إطلاق النار”.
سبق إشارة كيري التي برّرت العدوان الروسي على حلب، تصريحات رسمية سورية وإعلامية روسية عن نوايا ما أسموه “تحرير حلب”، حيث قال وليد المعلم وزير خارجية نظام الأسد لوفد من مجلس الدوما الروسي أثناء زيارته دمشق في 10 أبريل/نيسان: “نستعد مع شركائنا الروس لعملية تحرير حلب ومحاصرة كل المجموعات المسلحة”، بالإضافة إلى رئيس وزراء النظام السوري وائل الحلقي الذي صرح أن سلاح الجو الروسي والجيش النظامي يعدان عملية مشتركة لـ “تحرير حلب”، والتصدي لكل الجماعات المسلحة غير القانونية. ونشرت جميع وسائل البروباغاندا الروسية هذه التصريحات وروجت لها بما يتفق مع فعل التمهيد الإعلامي المتعارف عليه لاستبيان الآراء الدولية والمحلية.
أبدت زاريما التي تحمل مأساة وطنها المنسية رأيها فيما يجري بحلب السورية وقالت: “حسناً، لست متفاجئة بما يحدث في حلب على الإطلاق. أعني تجربتنا في إشكيريا كانت مشابهة جداً. نادرا ما كانت روسيا تستهدف المقاتلين أو خطوط الجبهات بالقصف. استهدفوا المستشفيات والمدارس والمناطق السكنية والأسواق والمدنيين … قصفوا الحافلات التي تقلّ الفارين إلى المناطق الآمنة، وقتلوا الأبرياء بقصد إرهاب الناس ودفعهم إلى النزوح بهدف التطهير العرقي. وعندما يوَاجَهون بجرائهم ينكرون استهداف مناطق مدنية، ويدّعون أنهم يستهدفون “قطاع الطرق” و”المتطرفين” و”الإرهابيين” و”الغزاة العرب لشمال القوقاز”، وما إلى ذلك من الأكاذيب التي يعتمدونها رسمياً. وفي حال لم تنجح هذه الوسيلة، يقولون إن ما يحدث في الشيشان مثلاً هو “شأن داخلي روسي” أي أنه لا يمكن للمجتمع الدولي التدخل”، وهو ما يتفق مع “حماية الأمن القومي الروسي” الذي تشن باسمه الحرب على السوريين، لتتحايل على رد الفعل الأممي.
رئيس تحرير القسم الإنكليزي في مجلة السلام الأمريكية 2009، مسؤول القسم الثقافي في مجلة “المبتدأ” 2010. حاز جائزة “الشارة الدولية للصحفيين” 2012 ، وجائزة “هيلمان هاميت” للمدافعين عن حرية الفكر 2013 . .لعب دوراً هاماً في نقل وجهة النظر الغربية عن سوريا إلى القارئ العربي. مؤلف كتاب “الشأن السوري في عيون الغرب”.