مجلة طلعنا عالحرية

حقوق المرأة وحقوق الانسان

د. مارية العبدة

يدعو بعض الكتّاب إلى النظر في قضية المرأة بمنطقتنا العربية من زاويا مغايرة أو مختلفة، ومنها طرح أنّ مشكلة المرأة غير قابلة للفصل عن قضيّة الإنسان المقهور، وهذا أمر لا شك فيه. ولكن يذهب بعض الكتّاب إلى القول بأنّ حصول المرأة على حقوقها هو أمر منوطٌ بحصول الرجل على حقوقه ونتيجة طبيعية لذلك، وعليه لا داعي للمطالبة بحقوق خاصّة بالنساء.

من الأكيد أنّ قضيّة المرأة هي جزء أساسيّ من قضيّة الإنسان ولا يمكن فصل حقوق المرأة عن حقوق الإنسان، ولذلك لا يمكن اعتبار نظام إجرامي يدعم حق المرأة بالمشاركة السياسيّة، سواء بالانتخاب أو الترشّح، نظاماً مناصراً للمرأة، وقد وقعت العديد من المدافعات عن حقوق المرأة السوريات في هذا المطب.

من جهة أخرى لا بُدّ من أن نتذكّر حين نتبنّى قضيّة تلازم حقوق المرأة والإنسان، أن نتبناها بالاتجاهين؛ بمعنى أنه يجب أن ندرك أنّ منع أي حق من حقوق الإنسان عن المرأة لكونها امرأة هو انتهاك لحقوق الإنسان.. وهنا يأتي الجزء الصعب. هل سندافع عن حق المرأة بالترشّح والانتخاب في المناطق التي مُنِعَتْ منها؟ هل سندافع عن حقّها بالوصاية على أطفالها أو منحهم هويّتها؟ هل سنعتبر ذلك انتهاكاً لحقها الإنساني ونكتفي بحصول الرجل على هذه الحقوق؟ أو نعتبرها مرحلة أخرى، وكأنّه يجب أن يأخذ الرجال حقوقهم بداية لتحصل المرأة على حقها لاحقاً؟! وألا يمكن للاثنين الحصول على حقوقهما سويّة؟

مع أنّ التاريخ العربي والإسلامي يذخر بأمثلة لنساء قمن وطالبن بحقوقهنّ بشكلٍ واضحٍ وصريح بأمور خاصّة بهنّ، ربما لا تمتلك نساء اليوم الجرأة على الخوض فيها، كـ”خولة بنت ثعلب الخزرجية” التي ذهبت لتجادل الرسول (ص) عن حقّها الذي حرمها زوجها منه حين ظاهرها، وبقيت تجالده حتى نزلت الآية الكريمة التي خلدت الحادثة، وحكمت بقسوة على مرتكبي فعل الظهار، ووصفت قولهم بالمنكر والزور:

“قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير [1] الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إنّ أمهاتهم إلاّ اللائي ولدنهم وإنهّم ليقولون منكراً من القول وزوراً وإنّ الله لَعَفّوٌ غفور” [سورة المجادلة:1-2]. لم توبّخ خولة على مطالبتها بحقها، بل بقيت قصتها محفوظة في القرآن الكريم لتكون نموذجاً يُحتذى.

حتّى في حالة الحقوق المتساوية، لم تقبل السيدة “أم سلمة” أن يتم تضمين النساء في القرآن الكريم ضمن خطابٍ موجّه للرجال، ولو أنّ جمع المذكر يشمل المذكر والمؤنث في اللغة العربية، وأتت تشتكي لرسول الله (ص): (يا رسول الله: يذكر الرجال ولا نٌذكر). فنزلت آيات خاصّة تذكر المؤمنين والمؤمنات، ومختلف صفاتهم بصيغتي المذكر والمؤنث؛ “إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات..” [سورة الأحزاب:35].

بناءً على هذا التاريخ الإسلامي، نشطت حديثاً العديد من الحركات النسويّة الإسلاميّة المعاصرة، خاصّة في المغرب العربي، والتي تهتم بقضايا نسائيّة ونسويّة، وتعمل هذه الحركات على إيجاد حلول لهذه القضايا من زاوية مرجعيتهن الدينية، وتلاقي أولئك النساء بالغالب هجوماً من مختلف الأطراف الدينيّة وغير الدينيّة؛ إذ تتهمهنّ الأطراف الدينيّة التقليديّة بالعمالة لبحثهنّ عن حقوق خاصّة بهنّ، و لطرح أسئلة غير مريحة، في حين تتهمهنّ الأطراف غير الدينيّة بالتخلّف بسبب البحث عن التحرّر من خلال الدين!

 إنّ عدم التقبّل للمطالب والمراجعات النسائيّة هو أمر شائع في كل المجتمات، فهناك أمثلة كثيرة عن حركات نسائيّة حوربت بسبب مطالبتها بحقوقها، وهي ضمن مجموعة مضطهدة طبقيّاً، عرقيّاً أو دينيّاً. لعلّ أبرزها هو نضال النساء السود في الولايات المتحدة ضدّ القوانين التمييزيّة ضدّ السود والنساء في الخميسنيات والستينيات من القرن الماضي؛ حيث كان الرجال السود يتهمون النساء اللواتي يطالبن بحقوقهن بالخيانة للقضية السوداء، وتشويه صورة الرجل الأسود، لكن في الحقيقة هؤلاء النسوة حملن القضية السوداء ضمن ملف حقوقي أكبر وأعم هو ملف حقوق الإنسان والحقوق المدنيّة.

تذكر إحدى المؤرّخات أنّ بعض مركبات القطارات كانت  تحمل عبارات: “ممنوع ركوب النساء والسود” فكانت النساء السود ممنوعات مرتين، ولذلك كان لا بُدّ لهنّ من خوض معركة تحرّر واحدة كامرأة سوداء، ولم يكن هناك مجال لفصل القضيتين عن بعضهن البعض، فالحق لا يُجزّأ بوجهة نظرهنّ، و بذلك قدن نضالاً تحرّريّاً مُتعدّد الطبقات.

 هكذا أصبحت الشابة السوداء “روزا بارك” أيقونة للكرامة والنضال ضدّ القوانين التمييزيّة في الولايات المتحدة بعد مخالفتها القانون التمييزي ورفضها الوقوف لرجل أبيض ليجلس مكانها في الباص عام 1955. كانت “روزا” إحدى المتمرّدات اللواتي خالفنّ عادات وتقاليد المجتمع التمييزي الذي وجدت نفسها فيه.

للنساء المظلومات مرتين حق برفع أصواتهنّ مرتين وأكثر، وحقوق المرأة هي جزء أساسيّ من حقوق الإنسان؛ لا يستقيم أحدهما دون الآخر. وبالتأكيد، الرجل ليس خصماً للمرأة، ولكن بالتأكيد أيضاً فإنّ المرأة ليست تابعاً للرجل. كلاهما فاعل ومسؤول عن مصيره، ولابُدّ لهما من العمل معاً لبناء مجتمع ودولة مؤسّساتيّة ديمقراطية تصون حقوق الجميع.

Exit mobile version