المحامية دعد موسى
تتعرض النساء في جميع المجتمعات وجميع أوجه النشاط تقريباً لأوجه مختلفة من التمييز في القانون والواقع. وهذا الوضع يسببه ويزيد من حدته وجود تمييز في الأسرة وفي المجتمع وفي مكان العمل؛ حيث اعتمدت مكانة النساء تاريخياً على القوانين والعادات للبلدان التي يعشن فيها، فحسب القوانين والتقاليد حرمت العديد من المجتمعات النساء من حق الحصول على مكانة قانونية واجتماعية مستقلة استناداً للقيم الأبوية التقليدية، والتي حرصت على وضع النساء تحت وصاية السلطة الذكورية في العائلة والمجتمع. ويبقى التمييز ضدّ المرأة واسع الانتشار ويدعم هذا التمييز بقاء الآراء الجامدة التي لا تتغير والعادات والتقاليد الثقافية والدينية التي تضر بالنساء.
وتشير الإحصاءات التي صدرت في الآونة الأخيرة عن وضع المرأة إلى أوجه التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين المرأة والرجل؛ فالنساء يشكلن أغلبية فقراء وأميي العالم، ويعملن ساعات عمل أطول من الرجال ويأخذن أجوراً أقلّ، ويتعرضن للعنف الجسدي والجنسي داخل وخارج المنزل وفي أوقات النزاعات المسلحة، كما يشكلن النسبة القليلة جداً في مواقع السلطة واتخاذ القرار. هذه الحقائق المؤلمة جعلت المجتمع الدولي يولي اهتماماً خاصاً بقضايا المرأة باعتبارها جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان. وتم تشكيل لجان لرصد أوضاعها وإنشاء آليات من أجل تطبيق الحقوق الإنسانية للمرأة.
1ـ ميثاق الأمم المتحدة:
يعتبر ميثاق الأمم المتحدة الذي اعتمد في سان فرنسيسكو عام 1945 أول معاهدة دولية تشير بعبارات محددة وبوضوح إلى تساوي النساء والرجال في الحقوق؛ حيث اعتبر الميثاق المساواة هدفاً أساسياً. وتوالت المواثيق الدولية والمؤتمرات التي تؤكد على الحقوق الإنسانية للمرأة؛ حيث ورد المبدأ العام بعدم التمييز على أساس الجنس في جميع اتفاقيات حقوق الإنسان، وشددت الشرعة الدولية لحقوق الإنسان على المساواة في الحقوق بين النساء والرجال، وعلى ضرورة ضمان تمتع المرأة بالحماية القانونية المنصوص عليها في (الشرعة الدولية لحقوق الإنسان).
2ـ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواطن عام 1948:
يتألف الإعلان من ديباجة و30 مادة تحدد حقوق الإنسان (المدنية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية) والحريات الأساسية التي تحق لجميع النساء والرجال في أي مكان في العالم، دون أي تمييز. وتقول المادة 1: “يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق”.
أما المادة 2 التي تنص على المبدأ الأساسي للمساواة وعدم التمييز فيما يتعلق بالتمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، فتحظر التمييز من أي نوع: “لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذاالإعلان دون أي تمييز؛ كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة دون أي تفرقة بين الرجال والنساء”.
كرس الإعلان مبدأ المساواة في الحقوق لجميع الناس دون أي تمييز وحدد في المادة 16 منه مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في مسائل الزواج والطلاق والأسرة: “1- للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله.
2- لا يبرم عقد الزواج إلا برضا الطرفين الراغبين في الزواج رضى كاملاً لا إكراه فيه.
3- الأسرة هي الوحدة الطبيعية الأساسية للمجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة”.
3ـ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966:
وتنص المادة 2 منه على عدم التمييز بين البشر، بحيث تلزم الدول بضمان ممارسة الحقوق المدونة فيه دون تمييز لأي سبب. نص المادة 3: “تتعهد الدول الأطراف في العهد الحالي بتأمين الحقوق المتساوية للرجال والنساء في التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المدونة في هذا العهد”.
حيث يجب على الدول الأطراف في هذا العهد أن تؤمن المساواة الكاملة في جميع الحقوق؛ من الصحة والتعليم والعمل والسكن والملبس والضمان الاجتماعي والراحة واتخاذ تدابير تدريجية وفورية تتيح للمرأة التمتع على قدم المساواة بالحقوق التي حرمت منها على كافة الصعد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
4ـ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966:
وفيما يخص واقع الحقوق السياسية للمرأة الذي يرتبط إلى حد كبير، بواقع حقوقها المدنية المنتهكة، التي تحول دون قدرتها على تحقيق وجودها الاجتماعي ومشاركتها الفاعلة، جاء العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ليؤكد على ضرورة احترام وتأمين الحقوق المقررة فيه لكافة الأفراد دون تمييز. جاءت المادة 3 لتنص على: “تتعهد الدول الأطراف في العهد الحالي بضمان مساواة الرجال والنساء بجميع الحقوق المدنية والسياسية المدونة في هذه الاتفاقية”.
وهذا يعني التزام الدول الأطراف بتحقيق المساواة المدنية والسياسة بين الرجال والنساء في كافة المجالات الوارد ذكرها في هذا العهد، والذي أكد أيضاً في المادة 23 منه على مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في إطار الأسرة والزواج من حيث الحقوق والواجبات كما أكدت المادة 26 منه على أن المواطنين متساوون أمام القانون ومن حقهم التمتع دون أي تمييز بالتساوي بحمايته.
5- المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان – فيينا 1993 (إعلان فيينا وبرنامج العمل):
ويعتبر هذا الإعلان محطة أساسية وبارزة في تاريخ حقوق المرأة؛ ففيه عدد كبير من النصوص الداعمة لتلك الحقوق، والتي تؤكد الحقوق المتساوية للنساء والرجال، وتبين أن المرأة ما تزال تتعرض لجميع أشكال العنف والتمييز في كل مكان.
وقد أخذت قضايا المرأة حيزاً كبيراً من المناقشات الدائرة في المؤتمر، وجاء الإعلان بالكثير من التفصيل والتحديد عن حقوق المرأة كجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان، لاينفصل ولايقبل التصرف ولا التجزئة. وأفرد قسماً خاصاً عن حقوق الإنسان للمرأة، يتضمن تسعة بنود أكدت على أهمية إدماج المرأة ومشاركتها الكاملة في عملية التنمية واستفادتها منها، وشدد المؤتمر على ضرورة العمل من أجل القضاء على العنف ضدها في الحياة العامة والخاصة.
6- المؤتمر العالمي الرابع للمرأة عام 1995 بيجين- الصين:
أكد الإعلان الصادر عن المؤتمر على تساوي النساء والرجال في الحقوق والكرامة الإنسانية، وعلى جميع المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين واتفاقية سيداو، وعلى اعتبار حقوق المرأة حقوق إنسان، وعلى ضمان تمتع المرأة تمتعاً كاملاً بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية واتخاذ تدابير فعالة ضدّ انتهاك هذه الحقوق والحريات.
ووضع المؤتمر منهاج عمل تميز بالفاعلية؛ إذ كانت أهدافه موجهة لإحداث تغيير فعلي وجذري في أوضاع المرأة في العالم، وحدد فيه مجالات الاهتمام الحاسمة التي يجب على الحكومات والمجتمع الدولي والمجتمع المدني -بما فيه من منظمات غير حكومية وقطاع خاص- اتخاذ إجراءات استراتيجية، ومن الأهداف الاستراتيجية محور حقوق الإنسان للمرأة الذي يوكد أن حقوق الإنسان والحريات الأساسية حق بحكم المولد لجميع البشر، وحمايتها وتعزيزها هما المسؤولية اﻷولى التي تقع على عاتق الحكومات، وجميع حقوق الإنسان، المدنية منها والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بما في ذلك الحق في التنمية، عامة غير قابلة للتجزئة، ومترابطة، ويتوقف بعضها على بعض. وأن حقوق الإنسان للمرأة وللطفلة هي جزء غير قابل للتصرف من حقوق الإنسان العامة، وجزء ﻻ يتجزأ من هذه الحقوق وﻻ ينفصل عنها.
وتمتع المرأة والطفلة تمتعاً كاملاً بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية هو أولوية من أولويات الحكومات والأمم المتحدة، وأمر ﻻ غنى عنه للنهوض بالمرأة. وﻻ يقتصر واجب الحكومات على أن تمتنع فحسب عن انتهاك حقوق الإنسان للمرأة، بل عليها أن تعمل أيضاً على تعزيز هذه الحقوق وحمايتها.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج