فقدت سوريا في أسبوع واحد من الشهر الحالي، أربعة مناضلين من المعارضين الأشداء لنظام الاستبداد الأسدي الطائفي الفاسد، وهم على التوالي: الكاتب والناشط الحقوقي المحامي حبيب عيسى الذي غادرنا يوم الأحد (18/04) في دمشق، إثر توقف قلبه عن النبض، بسبب التقاطه فايروس كورونا (كوفيد-19) المستجد، وبعده بيوم واحد رحل المفكر والكاتب ميشيل كيلو إثر تدهور صحته بعد إصابته بالفايروس القاتل في العاصمة الفرنسية باريس، وفي ذات اليوم (الإثنين) ودّعت بلدة مصياف ابنها البار المثقف البارز تيسير الحاج حسين الذي ترجّل بعد صراع مرير مع مرض عضال ألم به. ليلحق بهم بعد أربعة أيام، الكاتب الصحفي محمد خليفة الذي وافته المنية يوم الخميس (22/04) في العاصمة السويدية ستوكهولم جراء إصابته بفايروس كورونا.
الراحلون الأربعة من القامات السياسية الوطنية البارزة، الذين كرّسوا حياتهم للعمل الوطني من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان السوري، وذاقوا مرارات السجون والتنكيل غير أنهم استمروا في عطائهم شوكة بحلق الطغاة والمستبدين.
“رابطة الكتّاب السوريين” تنعي حبيب وكيلو..
نعت “رابطة الكتّاب السوريين” في 19 من الشهر الحالي، في بيان لها
الكاتب والمحامي والمعارض السوري حبيب عيسى، الذي رحل “بعد أن كرّس حياته، منذ بداية وعيه في سبيل قضية شعبه ووطنه، مواجهًا آلة الاستبداد، على امتداد مراحل حياته، داخل الوطن وخارجه، كمحام، وككاتب وناشط حقوقي وسياسي: وبيّنت الرابطة أنّ الفقيد “تم اعتقاله لمدة خمس سنوات ضمن- العشرة الأوائل- من وجوه المعارضة الوطنية، وليكون من أوائل الكتّاب والحقوقيين والناشطين الذين وقفوا مع الثورة السورية، ومن مؤسسي المنبر الديمقراطي في العام 2012. وبالرغم من الكثير من أساليب الترهيب والترغيب التي كانت تمارس بحق المعارضين الأشداء، عادة، وكان الراحل حبيب عيسى أحد هؤلاء، بامتياز، في مواقف وحوادث معروفة، إلّا أنه لم تلن له قناة أمام أشكال القمع والإغراءات المختلفة، بل ظل صوتًا ثائرًا عقلانيًا نقيًا في الدفاع عن قضايا إنسانه ووطنه حتى آخر لحظة في حياته”.
البيان أضاف: أنه “برحيل الكاتب المناضل حبيب عيسى تخسر سوريا والسوريون أحد المناضلين الأشداء الذين ناضلوا من أجل كرامة شعبه، بكل الأدوات والسبل الممكنة، صلبًا، مبدئيًا، من دون أن يهادن أو يساوم”.
كما أصدرت الرابطة في نفس اليوم، بيان نعي المناضل والسياسي والكاتب وعضو الرابطة ميشيل كيلو الذي توفاه الله. وقالت الرابطة في بيان لها: “لقد قارع الراحل الكبير استبداد السلطة طوال نصف قرن من النضال السياسي والفكري” وأضاف البيان: “رغم مختلف أصناف الضغوط والإساءة، لم يتراجع (كيلو) عن سعيه السلمي إلى إحداث التغيير الجذري في الحياة العامة السورية انطلاقًا من إيمانه الراسخ بالحرية التي دعا السوريين، في رسالته / الوصية الأخيرة، بألّا يتخلوا عنها (لأنّ فيها وحدها مصرع الاستبداد)”. وأوضح البيان أنّ الراحل “قرن عمله السياسي بنشاطه الفكري، وبإغناء معارفه العلمية، حتى في سنٍّ متقدمة، دون الشعور بأي انتقاص من ثقته العالية بقدراته، التي يشهد له بها كل من استمع اليه أو قرأ له. كما تعزّزت محبته لدى الناس بتواضعه الجمّ وانفتاحه الواسع وانصاته الهادئ”.
§ رحيل مفجع بين الوطن والمنفى..
موقع “ملتقى العروبيين.. (منبر أحرار العروبة)”، نعى في بيان له في العشرين من الشهر الحالي، المثقف الوطني البارز تيسير الحاج حسين. ومما جاء في البيان: “رحلت عن دنيانا بالأمس (الإثنين) شخصية وطنية وقومية من خيرة الشخصيات والقامات التي نعتز بها ونفخر، إنه الراحل الأستاذ تيسير الحاج حسين (أبو تميم)، وقد كان من الشخصيات الوطنية العروبية ومن الناشطين الوحدويين المعروفين في مصياف وفي كل الوطن السوري على امتداده”. وأضاف البيان: “كان الراحل معطاءً على طول المدى، محبًا لما حوله، مؤمنًا بالوحدة العربية كخلاص للأمة من عثارها الطويل، كما دأب في نشاطه وحراكه المتواصل مع رفيقة عمره ودربه السيدة ندى الخش، على العمل المتواصل من أجل وطنٍ خالٍ من الاستبداد، ومن أجل حرية وكرامة طالما حلم بها السوريون كل السوريون”.
الكاتب والناشط السوري حسين محمود قال في رثاءه: “شهادتي عن الأخ المناضل تيسير حاج حسين (رحمه الله) مجروحة.. فهو المثقف القومي العربي الناصري الصلب والمرن في ذات الوقت، كان مستمعًا جيدًا ومتحدثًا ممتازًا، ويملك من الموهبة والحنكة أن يصوب الحوار والحديث ويصل في النهاية لنتائج جيدة بعيدة عن التوافقية أو التوازنات. عرفته كإنسان متّزن بعيد عن الأضواء والتمظهر والأنا المتعبة لصاحبها ولمن حوله..”.
وفي منفاه السويدي رحل الكاتب الصحافي والباحث السوري محمد خليفة يوم الخميس (22 من هذا الشهر)، جراء إصابته بفايروس (كوفيد-19). والراحل
ناشط سياسي معارض من أبناء محافظة حلب، هُجّر من سورية في ثمانينيات القرن الماضي، ليقضي في المهجر نحو 40 عامًا من عمره ناضل فيها ضد النظام الأسدي الاستبدادي حتى أيامه الأخيرة. وهو محلل سياسي صدرت له مؤلفات عدة، إضافة إلى دواوين شعرية. وكان من بين المشاركين في تأسيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان، وبرز عضوًا مؤسسًا في منظمات وفعاليات سياسية منذ انطلاقة ثورة الحرية والكرامة عام 2011.
وقد عاش خليفة قبل مغادرته سورية، حقبة القمع التي مارسها نظام حافظ الأسد عقب الانتفاضة التي جرت في مدينته حلب في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1979، والتي تلاها إغلاق المنطقة التجارية في آذار/ مارس 1980، وحدوث مجزرة المشارقة ومجزرة بستان القصر ثم مجزرة أقيول. حينها وجهت لخليفة تهمة تغطية الانتفاضة وتصويرها ونقلها للإعلام الأجنبي، كونه المراسل الصحافي الوحيد في المدينة. لكنه تمكّن من الفرار إلى لبنان نهاية عام 1980. بعد قرابة الثلاث سنوات طردته السلطات اللبنانية ليبدأ مسيرة معاناة في إيجاد بلد يؤويه، حيث تعرّض للطرد بعدها من عدة دول عربية ومن فرنسا، بسبب مواقفه وكتاباته، لينتهي به المطاف عام 1992 في السويد حيث واجه مضايقات وحرم من العمل مراسلًا صحافيًا لصحف عربية. ويذكر الراحل في حوار صحفي معه أنه “تعرّض لتهديدات واعتداءات بدنية على يد مجهولين في السويد، ولم تتدخل الجهات الأمنية السويدية لحمايته أو حماية أفراد أسرته، ولم يكن يتوقع هذا الأمر”.
وتنقل خليفة خلال سنوات المنفى الاضطراري بين لبنان وفرنسا واليونان والسويد.
الكاتب الصحفي السوري أحمد مظهر سعدو، قال في نعي الراحل: “اليوم إذ يرحل الغالي أبو خالد/ محمد خليفة وهو العلم الثوري الشامخ أبدًا والكاتب الباحث المتمكّن والصادق فيما يكتب وهو المندمج بآهات الأمة وآمالها. ومن انتقل من هموم الوطن السوري والجرح النازف في سورية إلى هموم الأمة كل الأمة. إذ لم تهن ولم تلن عزيمته يومًا فكنا نستمد التفاؤل والأمل من جوانية وتلافيف ضميره الوطني والقومي المتوقد دائمًا”.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج