آلاء حسانين
لحظةً من فضلك
أيّها العالم..
امنحنا دقيقةً واحدةً
لنغسل الدم عن وجوهنا
لنلون زرقة أيدينا وأقدامنا
ولنبحث بين أكوام الركام
عن ملابس أنيقة
لنعيد تصفيف شعورنا كما يجب
حتى نسهل الأمر على وكالات الأنباء
التي تحاول أن تثبت للعالم أجمع
أنّنا بخير تمامًا
وأنّ على الناس أن يلتفتوا
للثقوب السوداء،
مواسم الجفاف،
وأنواع الحيتان المهدّدة بالانقراض
بدلًا من أن يثيروا ضجّةً كهذه
لمجرّد أنّ بلدة صغيرة
شطبت من على الخارطة..
لحظة من فضلك
أيّها العالم..
أعطنا بضع دقائق
لندهن المساحيق فوق وجوهنا المدماة
لننفخ الروح في جثثنا المصلوبة
جثثنا المعلّقة فوق أعمدة الإنارة
من أثر الانفجارات..
لنبحث عن أيدينا المبتورة
ونلصقها على عجالة بأجسادنا
كي لا يهدر العالم
دقائقه الثمينة
في إطلاق الشجب والاستنكارات من أجلنا
لحظة أيّها العالم..
لنخبّئ مهاجرينا تحت أسرّتنا
لنعيد أطفالنا اللاجئين إلى أرحامنا
لنطلق خيامنا بلالين في الفضاء
لنطلب من جيراننا
الطيّبين جدًا
أشقاءنا العرب
أن يخبئوا مأساتنا
أوانينا المنزلية
وثيابنا الرثة
في خزاناتهم الفارهة
لدقائق
دقائق فقط..
حتى لا يتسنّى لممثّلات هوليوود الأنيقات
أن يلتقطن صورًا للمباهاة
بجانب أطفالنا
أطفال العالم الثالث
وهن يتركن مسافة واضحة
بينهنّ
وبين أجسادنا النحيلة،
والقذرة…
لنختبئ في حجر أمهاتنا
ولتختبئ أمهاتنا في حجر أمهاتهنّ كذلك
وهكذا..
علينا أن نختفي قليلًا
كي يتسنّى للعالم أن يلتقط صوره ضاحكًا
حتّى لا نظهر كندبة على جبين العالم
كبقعة قذرة على ياقة ملابسه
الأنيقة، والمرتّبة..
حتّى لا يأخذ العالم وقتًا طويلًا
في اختيار زاوية التصوير المناسبة
التي تظهر ملامحه..
أقلّ قبحًا..
حتّى لا نزعج صباحاتك
بأخبار موتنا
العاديّ والمكرر..
علينا أن نذهب إلى قياماتنا بهدوء..
علّ مآسينا تختفي
كفقاعات صابون في الهواء
حتّى يكون بوسعك..
أيّها العالم
أن تظهر ضاحكًا
في صورك كلّها
دون أن تقلق
من أن تطلّ بناتنا
من محاجرك..
داميات وباكيات وحزانى..
أو أن ينطلق سهوًا
أحد أطفالنا
– المكوّمين وراء الستار-
راكضًا..
خلف حشرة أو قطّ بريّ
وهكذا
ويا للأسف..
سيظهر بكلّ بشاعته..
أمام الكاميرا
سيفسد على العالم الأنيق..
حفلته.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج