القصة الأوّلى: صباح
نقلتها:
بشرى صالح وهنادي زحلوط
لم تكن صباح تعلم أنّ رحلتها إلى حمص في تلك الحافلة ستكون آخر رحلاتها، وأنّ أشجار الصنوبر التي أحنَتْها الريح العاتية على طريق حمص دمشق الدولي كانت أغصانها تودّ إيقافها وتحذيرها ممّا ينتظرها، وأنّ الهواء العليل الذي تنفسته يومها سيكون آخر نسائم الحريّة قبل أن توقفها دورية تابعة للأمن العسكري في ظهيرة الرابع عشر من شهر تموز للعام 2012.
سنة وأربعة أشهر قضتها صباح تحت التعذيب وفي الاستجواب، ما بين فرع الأمن العسكري بحمص ومقرّ الفرقة الرابعة في دمشق. كانت تكاد لا تقوى على المشي عبر الممر الطويل في “سجن عدرا للنساء” حينما وصلته في شهر تشرين الثاني من العام 2013. كان البرد ينخر عظامها ولا تكاد ثيابها الخفيفة تردّه عن جسدها الضعيف.
عُرِضَتْ الفتاة الشابة التي نحل عودها على القاضي في المحكمة الميدانية العسكرية بدمشق، فقرر توقيفها في الرابع من شهر نيسان من العام 2015. هي التي شاركت في التظاهر ضدّ نظام الأسد ولم يخطر ببالها وببال أحد يعرفها أنها ستعرض على محكمة ميدانية عسكرية! هي التي لم تفكر يوماً في حمل السلاح ولا حتى في النظر إليه!
“سجن عدرا للنساء” الذي يعتبر من قبل الكثيرين منتجعاً بالقياس إلى حال الأفرع الأمنية السورية وتعذيب أقبيتها، والوحشيّة التي عرفتها في الفرقة الرابعة، كان جحيماً حقيقياً بالنسبة لها؛ حيث تعّرضت لمضايقات وضرب مبرح من قبل عناصر وضباط موجودين في سجن النساء، كانوا حين يسمعون بالتهم العديدة الموجهة لها ينكلون بها. وقد تمّ نقلها مرّات عدّة من غرفة إلى أخرى ومن جناح إلى آخر.
لكن ما جعلها تنهار من البكاء كان قيام ضابط السجن بقصّ شعرها كاملاً أمام عينيها، كانت الخصلات تردى قتيلة واحدة تلو الأخرى أمام ناظرها، ومن بين الخصلات كانت تمر أمام عينيها سنوات طفولتها، وابتسامة أمها وهي تسرّح شعرها..
وشيئاً فشيئاً بدأت صباح تصبح أكثر انعزاليّة، تضحك دون سببٍّ واضح، وتبكي دون سبب.
حتى كان اليوم الذي بدأت فيه تفكر جدّياً بالانتحار، وحاولت القيام بذلك فعلاً.
هذه قصة حقيقية لشابة ما تزال أسيرة في “سجن عدرا للنساء”، أشرنا لها هنا باسم “صباح”.
هي صرخة أخرى نطلقها، قبل أن تقتل روح بريئة أخرى. فهل سيبقى العالم صامتاً عن معاناتها ومعاناة كل من معتقلينا؟!
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج