دارين الحسن – إدلب
يعجز الكثير من الشباب في إدلب عن تأمين تكاليف الزواج، كتوفير السكن المستقل، الذهب والمهور، أو تحضيرات الزواج، مع ازدياد معدلات البطالة وانخفاض مستوى الدخل وشح فرص العمل، وعوامل كثيرة.. فيما يتمسك كثير من العائلات بالعادات والتقاليد، حيث يرى البعض أن “الزواج السهل يؤدي إلى طلاق سهل”.
المهر بالدولار الأمريكي
انهيار قيمة الليرة السورية يدفع معظم الأسر في إدلب إلى تسجيل مهور بناتهم بالدولار الأمريكي، مما يدفع العديد من الشباب للعزوف عن الزواج، أو يلجؤون إلى تحمل مخاطر ومصاعب السفر إلى تركيا للعمل لعدة أشهر وجمع المال، والعودة من أجل الزواج.
بعد تفاهم وقصة حب استمرت عدة أشهر، فقد يوسف فرصته بالزواج من الفتاة التي أحبها، ودرسا سويةً في جامعة إدلب، ليكون غلاء المهر عائقاً أمام زواجهما، وكفيلاً بالإجهاز على الأحلام والخطط التي رسماها معاً للمستقبل كما يقول، وذلك بعد أن طلب أهلها مهراً لم يستطع الشاب يوسف تأمينه: “طلب أهل العروس تسجيل مبلغ 3000 دولار أمريكي كمعجل، ومثله مؤجل، مع شراء 50 غرام من الذهب” يقول يوسف. ويضيف مستنكراً: “كيف يمكن لشاب في مقتبل العمر أن يؤمن هذا المبلغ في ظل الظروف المعيشية المتردية التي نعيشها!”.
عزوف عن الزواج
حال غلاء المهور دون زواج المئات من الشباب في إدلب، التي يعاني سكانها الأصليون والنازحون من قلة فرص العمل، ناهيك عن قلة الأجور في حال توفره.
“أحمد الشيخ أحمد” (33 عاماً) من مدينة إدلب، لم يقدم على خطوة الزواج حتى الآن، بسبب عدم توفر المال اللازم، موضحاً: “تكاليف الزواج باتت كبيرة ومن الصعب تأمينها على معظم الشباب، وبالنسبة لي أعمل طوال اليوم في معمل لصنع البلاط للحصول على 25 ليرة تركية، بالكاد تكفي لمساعدة والدي في مصروف المنزل، وتأمين مصروفي الشخصي من تبغ ومواصلات وفاتورة إنترنت”.
يؤكد الشيخ أحمد أن ثمن غرفة النوم المستعملة يتجاوز مبلغ الـ 200 دولار أمريكي، فيما بلغ سعر الذهب حوالي 55 دولاراً للغرام الواحد، “إلى جانب ثوب الزفاف الذي يشكل ثمنه المقدر بأكثر من 300 دولار مصدر قلق للزوج، فيما يعتبر حلم كل فتاة تتمنى دخول القفص الزوجي” بحسب قوله.
كما زاد النزوح من معاناة الكثير من الشباب، وقلل من فرصهم بالزواج، منهم “وليد الحسون” (29 عاماً) الذي نزح مع أسرته من معرة النعمان منذ سنة ونصف، إلى مخيم في بلدة كللي بريف إدلب الشمالي، يتحدث لطلعنا عالحرية عن معاناته: “تقدمت لخطبة فتاة من ذات المخيم منذ شهرين، لكن أهلها رفضوا أن تعيش ابنتهم في خيمة، رغم أن أجرة أي منزل تتجاوز مبلغ 50 دولاراً أمريكي شهرياً، علماً أن راتبي الشهري لا يتجاوز 100 دولار”.
المرشدة الاجتماعية “رانية الغريب” (36 عاماً) من مدينة إدلب تحذر من عواقب المغالاة في المهور بقولها: “يساهم الغلاء وارتفاع تكاليف الزواج بتأخر سن الزواج، الأمر الذي يجبر الكثير من الشباب على إلغاء الفكرة أو السفر بحثاً عن فرصة عمل تحسن أحوالهم المعيشية وتمكنهم من تحقيق حلمهم في الزواج”.
وتضيف: “ارتفاع نسبة العنوسة للطرفين قد يؤدي إلى الانحراف الأخلاقي، وفقدان الاستقرار النفسي، وظهور نتائج كارثية على الأسر وعلى المجتمع بشكل عام”، مؤكدة على ضرورة توعية المجتمع لتيسير الزواج والتخفيف من مصاريفه، والعمل على مساعدة الفئة غير القادرة على الزواج، وتحسين أوضاعهم المعيشية من خلال توفير فرص عمل.
حالات كسرت التقاليد!
من جهتها “غادة المصطفى” (40 عاماً) من مدينة معرة النعمان، زوجت ابنتها منذ شهر بمهر مقبول ودون تعقيدات، فهي لا تجد ضرراً من مراعاة ظروف الشباب المرتبطة أساساً بالوضع العام وظروف الحرب الصعبة، من خلال التخلي عن بعض العادات الثانوية في الأعراس، كحفلة الزفاف والولائم، والاكتفاء بخواتم الزواج فقط، وسكن العروس مع أهل زوجها، وإقامة حفلة صغيرة في منزل العائلة، وشراء الحاجات الضرورية فقط، مضيفة: “لا مشكلة من استئجار ثوب الزفاف نظراً لاقتصار استخدامه على يوم واحد فقط، والاقتصار في شراء الذهب على خاتم الخطبة إلى جانب الملابس الضرورية فقط”.
وتخالف “حنان فيلوني” (23 عاماً) هذا الرأي، التي لا تزال طالبة في جامعة إدلب، حيث ترى أن المهر سند للمرأة وحماية لها فيما لو حدث الطلاق، موضحة: “إذا تنازلت الفتاة عن بعض متطلبات الزواج، فسوف تتنازل عن حقوقها بشكل دائم”.
وتضيف: “الشرط الأساسي في الرجل الذي يطلب يد فتاة أن يكون قادراً على فتح بيت وتحمل مسؤولية الإنفاق على أسرته، ومن لم يستطع تأمين مهر عروسه فلن يكون قادراً على تحمل مسؤولياته المادية مستقبلاً “.
أصبحت تكاليف الزواج هاجساً لدى غالبية الشباب، الذين يجدون أنفسهم مترددين في الإقدام على هذه الخطوة، لا سيما مع عدم وضوح زمن معين لانتهاء الحرب، مقابل ظروف اقتصادية مأساوية، تزداد صعوبة يوماً بعد آخر، يعجز في ظلها معظم السوريين عن تأمين احتياجاتهم الأساسية لكي يفكروا أصلاً في تكوين أسرة .
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج