دعت المجموعة الدولية لدعم سوريا في ختام اجتماعها في 17 أيار/ مايو، منظمة (برنامج الأغذية العالمي) التابعة للأمم المتحدة إلى إنشاء جسور جوية وعمليات إنزال جوي لجميع المناطق السورية المحتاجة إذا ما استمر منع القوافل البرية للأمم المتحدة من إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، وذلك ابتداءاً من 1 حزيران/ يونيو. فقد شكل استخدام قوات النظام منهجية “الاستسلام أو الموت جوعاً” سمة أساسية في الحرب الأهلية السورية. وقد تمّت مراراً عرقلة جهود الإمدادات الإنسانية من قبل قوات النظام، فضلاً عن قوات تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وبعض الجماعات المسلّحة.
يناقش مايكل آيزنشتات من معهد واشنطن قضية التسليم الجوي للمساعدات الإنسانية في سوريا، ويعتبر أن هذه القضية تعتريها عقبات كبيرة ولن يكون النقل الجوي فعالاً بدون النقل البري، فهو مكلف جداً وقليل الفعالية وقد يتعرض للسرقة والنهب. والأصل هو الضغط السياسي الذي يجب أن تطبقه واشنطن والمجتمع الدولي، على موسكو لتحقق التزاماتها في جنيف وفيينا في ما يتعلق بوصول المساعدات الإنسانية، والضغط على نظام الأسد للسماح بعبور قوافل المساعدات الغذائية، أو أن تمنح واشنطن جماعات المعارضة السورية المعتدلة الوسائل اللازمة لكسر الحصار الذي تفرضه قوات النظام على مناطقها، وهو ما لم يحدث. وبالتالي جاء الموعد المرتقب ولم يحدث أي شيء، وظهر تخاذل المجتمع الدولي مرة أخرى وتركه الشعب السوري لمصيره.
حلّ على الطريقة الروسية:
يبدو أن روسيا وإيران وحزب الله (حلفاء الأسد) قد أصبحوا واثقيين على نحو متزايد بأن الولايات المتحدة بدأت بالفعل تتعاطى مع نظام الرئيس بشار الأسد كشريك في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. وتأمل هذه الأطراف الثلاثة بأن تنتزع موافقة من واشنطن على ألا يكون تخلّي الأسد عن الرئاسة، سواء خلال المرحلة الانتقالية أو بعدها، شرطاً لازماً ومُسبقاً لإيجاد حل سياسي للنزاع.
يناقش يزيد صايغ هذا الاحتمال في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، ويعتبر أن هذه المقاربة فاشلة ولن تحظى بالنجاح بكل الأحوال، فانتصار الأسد “إن تحقق” سيكون مثقلاً بالأثمان الباهظة التي تفوق المكاسب، ولن يستطيع بحال من الأحوال أن يكون مستقراً كما يرغب النظام؛ فلم يعد لدى الأسد أي موارد لإعادة الإعمار في المستقبل، أو تطبيق سياسة العصى مع الجزرة، كما سيواجه الأسد تحدياً غير مسبوقاً يتمثل في السيطرة على الجماعات العسكرية الأهلية التي نمّاها النظام لمواجهة الثورة وباتت تميل أكثر فأكثر نحو الاستقلالية. وبالمحصلة يعتبر يزيد صايغ أن روسيا وإيران سيدركان أن كسب الحرب سيكون أرخص بكثير من الحفاظ على السلام في سوريا.
ولذلك فإن المقاربة الأكثر رؤيوية وعقلانية من جانب روسيا وإيران وحزب الله بحسب صايغ، هي السعي إلى تحقيق مصالحة حقيقية بين نظام الأسد والمعارضة السورية، والتوصل إلى عملية انتقال سياسي تكون جديّة وفعّالة. وما خلا ذلك، سيترتب على هذه الأطراف الثلاثة الحفاظ على سلام نَكِدْ وغير قابل للحياة، وضبطه لزمن بعيد بعد انتهاء الصراع.
ماذا بعد الدبلوماسية الأمريكية؟ لاشيء على الإطلاق!
كثيراً ما هدد جون كيري بوجود خطّة بديلة في حال لم تنجح مفاوضات جنيف، وهاهي مفاوضات جنيف قد فشلت فشلاً ذريعاً وعادت معدلات القتل للحال التي كانت عليه من قبل بل أكثر، فما هي خطة الولايات المتحدة البديلة؟
يجيب غيل زيمك ليمن من مجلس العلاقات الخارجية (CFR) على هذا السؤال فيعتبر أنه خلال ست سنوات من الحرب في سوريا، يبدو أن الولايات المتحدة قد سلكت مسارين، أولهما دبلوماسية عنيدة يدفع من خلالها وزير الخارجية كيري وفريقه أطراف النزاع لوقف إطلاق النار، أما المسار الثاني فهو حرب تشنها الولايات المتحدة تدريجياً على تنظيم الدولة الإسلامية مستخدمة وحدات عمليات خاصة أمريكية (ترافقها قوات محلية) والطائرات بدون طيار وسلاح الجو، مع تجنب البيت الأبيض أي إشارة إلى عملياته هذه كعمليات حربية. وبين المسارين خيط رفيع جداً، ويبدو أن الولايات المتحدة قد أحبت هذه الطريقة حتى الآن.
ولذلك فإن تقييم الفشل مختلف إذاً بالنسبة للإدارة الأمريكية، فهي ترى أن السياسة المتبعة ناجحة حتى اليوم وحققت الكثير من النتائج المرجوة، أما هزيمة تنظيم الدولة والحل السياسي في سوريا “فالإدارة تعلم أنها ليست ممكنة في الأشهر السبعة القادمة” يضيف أحد مسؤولي البيت الأبيض: “ربما لا تكون الإدارة الحالية مهتمة بهذا السؤال أساساً، فهذه المهمة ستتركها لإدارة ترامب أو كلينتون”.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج