عقد نائب المبعوث الأميركي الخاص لسوريا ماثيو بيرل اجتماعات مع قادة الأحزاب الكردية وحثها على العودة إلى طاولة الحوار وحل القضايا الخلافية العالقة بين طرفي الحركة السياسية، والتقى بيرل خلال زيارته لمدينة القامشلي السورية في 9 كانون الثاني/ يناير الحالي قادة (المجلس الوطني الكردي) المعارض و(أحزاب الوحدة الوطنية الكردية)، وأكد خلال حديثه أن قوات الجيش الأمريكي والتحالف الدولي ستستمر في مهامها القتالية شرقي الفرات لمنع عودة تنظيم “داعش” واستمرار مكافحة الإرهاب، ولدعم الحل السياسي وفق القرارات الدولية الخاصة بحل الأزمة السورية، وتطبيق القرار 2254 والحفاظ على الهدن الإنسانية، وايصال المساعدات للسوريين ومنع التصعيد، والتزام واشنطن برعاية المفاوضات الداخلية بين أحزاب الحركة السياسية الكردية.
وطرح السفير الأمريكي خلال اجتماعاته حزمة أفكار وتصورات الخارجية الأمريكية لإعادة اللقاءات المباشرة من جهة، والعمل على تذليل العقبات لإعادة إحياء المباحثات الكردية بين طرفي الحركة من جهة ثانية، بهدف ترتيب الأوراق وتقريب وجهات النظر المختلفة، والعودة إلى الحوارات المتوقفة منذ عام و10 أشهر، لإكمال الرؤية الكردية، وإعلان اتفاق سياسي شامل وتوحيد الصف الكردي الداخلي، وتشكيل إدارة مدنية تمثل جميع مكونات المنطقة وكافة الأحزاب السياسية، وتحميها قوة عسكرية وأمنية مشتركة.
وناقشت الأحزاب الكردية في اجتماعها ثلاث سلال رئيسية خلال محادثات استمرت قرابة نصف سنة بين نيسان/أبريل وتشرين الثاني/ أكتوبر 2020، حيث اتفقت وقتذاك على سلة المرجعية السياسية بتقاسم المقاعد مناصفة بين قطبي الحركة الكردية، وترك ثلث كهامش لباقي الأحزاب والمستقلين، في وقت اتفقت في سلة المشاركة انضمام (المجلس الكردي) في مؤسسات الإدارة الذاتية وشغل مقاعد أحزاب (الوحدة الكردية) بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي السوري، مناصفةً، واقتصارها على المناطق الكردية، والانضمام الى هياكل حكم الإدارة إلى حين تنظيم انتخابات عامة بعد عام من توقيع الاتفاق.
أما السلة الثالثة فكانت بند الحماية والدفاع، والتي واجهت صعوبات ومشاحنات كثيرة، وبقيت الأطراف متمسكة بمواقفها على مدار أشهر اللقاءات، وأبرز الخلافات تمحورت حول عودة واندماج قوات “البيشمركة” الكردية، وهي تعد الجناح العسكرية للمجلس الكردي، لكنها تنتشر منذ تأسيسها أوائل 2012 في إقليم كردستان العراق المجاور، وقد تشكلت آنذاك من منشقين أكراد عن صفوف جيش النظام السوري، وبينهم شبان رفضوا الالتحاق بالخدمة الإلزامية، وآخرون متطوعون من أبناء المناطق الكردية الموجودون هناك. ويقدر عدد هذه القوات نحو 15 ألفاً، موزعين على 7 آلاف يحملون السلاح ضمن الألوية والفرق العسكرية التابعة لوزارة الحربية والدفاع بإقليم كردستان، إلى جانب متطوعين يبلغ قوامهم حوالي 8 آلاف تدربوا على فنون القتال وحملوا السلاح أثناء هجمات مسلحي تنظيم “داعش” شمالي العراق.
وبحسب مصادر كردية مطلعة أن هذه الإشكالية بالغة التعقيد والحساسية نظراً لآلية عودة هذه القوات ودمجها في غرفة عمليات مشتركة، حيث تسيطر على المناطق ذات الغالبية الكردية “وحدات حماية الشعب” الكردية العماد العسكري لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تسيطر على معظم مساحة شرقي الفرات، وتتلقى الدعم من تحالف دولي تقوده واشنطن وتنتشر على طول الحدود مع تركيا.
وتشترط قوات “البيشمركة” اتفاقاً دولياً بين الدول الفاعلة المنتشرة شرقي الفرات قبل عودتها لداخل سوريا، وهذه القوات رفضت المشاركة في عمليتي “غصن الزيتون” التركية آذار/ مارس 2018 و”نبع السلام” في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 وهي ليست جزءاً من الائتلاف المعارض أو “الجيش الوطني” التابع للحكومة المؤقتة، والذي يخوض حروباً مدمرة في المناطق الكردية.
وتبقى عودة هذه القوات مرهونة بتوافر ثلاثة شروط رئيسية؛ أولها التوصل إلى اتفاق كردي- كردي شامل، يتضمن ملف الدفاع والحماية، على أن تكون شريكاً حقيقياً برعاية أميركية، أما ثانيها فهو وجود مظلة دولية بإشراف أممي وموافقة كل من موسكو وواشنطن، وثالثها شرط عدم دخول جيوش دول إقليمية، سيما الفاعلة في الحرب السورية مثل تركيا وإيران، داخل المناطق التي ستنتشر فيها.
يذكر أن الأحزاب الكرية أعلنت صيف 2020 التوصل إلى “خريطة طريق سياسية” برعاية الخارجية الأمريكية تضمنت مرحلتها الأولى تشكيل مرجعيّة سياسيّة من إطارين: “حركة المجتمع الديمقراطي، وحزب الاتحاد الديمقراطي السوري من جهة؛ وأحزاب المجلس الكردي المعارض من جهة أخرى، وأحزاب خارج هذه الأطر على أن تكون نسبة كل طرف 40%، و20% لباقي الأحزاب والشخصيات المستقلة، ليصار إلى تشكيل لجنة مشتركة لوضع آليات انضمام أحزاب المجلس الوطني إلى مؤسسات وهياكل الإدارة الذاتية في المرحلة الثانية، وإعادة صياغة العقد الاجتماعي ووثائق الإدارة بما ينسجم مع التطورات والأحداث وتحقيق شراكة فعلية لهذه الجهات بالهيئات التابعة للإدارة، وتوحيدها سياسياً وإدارياً، والعمل من أجل توثيق تمثيل مختلف المكونات الأخرى، وتأسيس لجنة مشتركة من المرجعية لدمج القوات العسكرية في مرحلتها الثالثة، ورفض وجود أكثر من قوّة عسكريّة في المناطق الكردية.
غير أن هذه الخريطة لم تبصر النور بانتظار عودة الفرقاء السياسيين من الأحزاب الكردية لطاولة الحوار، وإكمال ترتيبات وحدة الصف، وتشكيل وفد كردي للمشاركة في المحافل الدولية الخاصة بسوريا.
صحفي سوري، عمل مراسلاً لعدة وكالات دولية وكتب في صحف عربية وغربية ومواقع سورية.