Site icon مجلة طلعنا عالحرية

تجنيد الأطفال في القانون الدولي الإنساني

المحامي إبراهيم القاسم

لطالما كان المدنيون يشكلون النسبة الأكبر من ضحايا أي نزاع مسلح على كافة الأصعدة، وتأتي النساء والأطفال وكبار السن في مقدمة المدنيين كضحايا هذه النزاعات، وبالإضافة إلى الحماية العامة المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني، للمدنيين أو المقاتلين، يستفيد الأطفال في النزاعات المسلحة من أحكام خاصة تقر بحالة الاستضعاف والاحتياجات الخاصة للأطفال في النزاعات المسلحة. ورغم هذه الحماية الممنوحة للأطفال، إلا أنهم معرضون بشكل خاص للخطر في النزاعات المسلحة، حيث يستمر تجنيدهم على يد القوات المسلحة والجماعات المسلحة، بعد أن يتم فصلهم غالباً عن عائلاتهم أو انتزاعهم من بيوتهم ومجتمعاتهم المحلية، أو يتعرضون للقتل أو التشويه أو الاعتداء الجنسي أو أي شكل آخر من أشكال الاستغلال.

ونتيجة الضغوطات ينتهي المطاف بالأطفال في الكثير من الحالات، إلى حمل السلاح والمشاركة مشاركة فعلية في القتال. ناهيك عن إمكانية استخدامهم لدعم القوات والجماعات المسلحة، بحمل الإمدادات بما فيها الذخائر أو الجنود المصابين، أو جمع المعلومات الاستخبارية العسكرية، حيث يتم استخدامهم كمستطلعين أو رُسُلاً أو طهاة أو للأغراض الجنسية أو وضع وإزالة الألغام الأرضية، أو غير ذلك. ويمكن أن نضيف إلى ذلك خاصة بالنسبة للطفلات، المعاناة من حالة الاستضعاف ، فيتم استغلالهن للأغراض الجنسية كمحظيات او زوجات بشكل قسري، وحديثاً انتشرت ظاهرة استخدام الأطفال لأعمال الإرهاب بما في ذلك كانتحاريين.

تعريف الطفل الجندي :

“هو أي شخص تحت سن الثامنة عشر يكون فرداً في أي نوع من الجماعات المسلحة أو القوات المسلحة النظامية أو غير النظامية بأي صفة أو وظيفة كانت، بما في ذلك الطباخين والمراسلين، والمرافقين لهكذا جماعات، الذين تتعدى صفتهم الاجتماعية كونهم أعضاء في أسرة. ويشتمل هذا أيضاً على الفتيات المجندات لأهداف جنسية وزواج قسري. فهو، بالتالي، لا يشير فقط إلى الطفل الذي يحمل سلاحاً أو سبق له أن حمل سلاحاً”.

ويتم تجنيد بعض الأطفال بالقوة، وينضم أطفال آخرون إلى القوات المسلحة أو الجماعات المسلحة بدافع الفقر، ويصبح أطفال كثيرون مسلحين نتيجة الظلم والتعسف وسوء المعاملة التي يتعرضون لها أو ذويهم على يد سلطات الحكومة.

حماية الأطفال في القانون الدولي :

سن تجنيد الأطفال :

تمت معالجة هذا الموضوع ضمن نصوص البروتوكولين الإضافيين إلى اتفاقات جنيف لعام 1977 المعاهدتين الدوليتين الأولين، حيث نص البروتوكولان على حظر تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشرة وإشراكهم في الأعمال العدائية. واشترط البروتوكول الأول في حالة التجنيد العسكري للأطفال الذين بلغوا سن الخامسة عشرة ولم يبلغوا بعد الثامنة عشرة في النزاعات الدولية المسلحة، إعطاء الأولوية لمن هم أكبر سناً.

ولكن البروتوكول الاختياري لعام 2000، والمضاف لاتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، رفع سن التجنيد الإجباري إلى الثامنة عشرة، ولا يجوز للجماعات المسلحة استخدام الأطفال دون سن الثامنة عشرة في أي حال من الأحوال. وبموجب هذا البروتوكول، تقوم الدول الأطراف التي تسمح بالتطوع في قواتها المسلحة الوطنية دون سن الثامنة عشرة بالتمسك بالضمانات لكفالة ما يلي كحد أدنى:

أ) أن يكون هذا التجنيد تطوعاً حقيقياً؛

ب) أن يتم هذا التجنيد الطوعي بموافقة مستنيرة من الآباء أو الأوصياء القانونيين للأشخاص؛

ج) أن يحصل هؤلاء الأشخاص على المعلومات الكاملة عن الواجبات التي تنطوي عليها هذه الخدمة العسكرية؛

د) أن يقدم هؤلاء الأشخاص دليلاً موثوقاً به عن سنهم قبل قبولهم في الخدمة العسكرية الوطنية.

– ويستثنى شرط العمر على المدارس التي تديرها القوات المسلحة في الدول الأطراف أو تقع تحت سيطرتها.

حماية الأطفال الأسرى

يستفيد الأطفال من القواعد العامة الواردة في القانون الدولي الإنساني بشأن حماية الأسرى ومعاملتهم، وبالنظر لصغر سنهم، يحظون بمعاملة خاصة في حالة الاعتقال أو الوقوع في الأسر.

1 – الحماية العامة للأطفال الأسرى:

حيث تطبق على الأطفال اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب، التي تكفل حماية الأسرى منذ لحظة وقوعهم في الأسر، وحتى الإفراج عنهم والعودة إلى الديار، حيث يقع على عاتق الدولة  الحاجزة للأسرى، إبعادهم عن جبهات القتال وساحات المعارك، وتأمين حمايتهم وتقديم الخدمات الضرورية لهم، وتمكينهم من تبادل الرسائل مع ذويهم، والسماح لمندوبي اللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارتهم، وعدم إرغامهم على القيام بأعمال عدائية ضد بلدهم، أو حشدهم في صفوف قوات الدولة الحاجزة، وحقهم الثابت في العودة إلى أوطانهم فور انتهاء العمليات الحربية.

2 – الحماية الخاصة للأطفال الأسرى:

بالرغم من حظر القانون الدولي الإنساني لمشاركة الأطفال في النزاعات، إلا أن الواقع يثبت عكس ذلك، لذلك يتمتع الأطفال المقاتلين الأسرى باحترام خاص، ويتمتعون بحماية خاصة كفلها لهم البروتوكول الأول،  حيث ينص بهذا الخصوص على أنه: “إذا حدث في حالات استثنائية، أن اشترك الأطفال ممن لم يبلغوا بعد سن الخامسة عشرة في الأعمال العدائية بصورة مباشرة، ووقعوا في قبضة الخصم، فإنهم يظلون مستفيدين من الحماية الخاصة التي تكلفها هذه المادة، سواء أكانوا أسرى حرب أم لم يكونوا “.

وينطبق على الأطفال المجندين في القوات المسلحة النظامية – الحكومية- أو المشاركين مع جماعات مسلحة أخرى صفة المقاتلين، ويتمتعون بوضع أسرى الحرب القانوني إذا وقعوا في قبضة الخصم، فلا يجب إدانة الأطفال المقاتلين دون الخامسة عشرة الذين اعتقلوا، لمجرد أنهم حملوا السلاح، ولا يتحملون أية مسؤولية، نتيجة مشاركتهم في الأعمال العدائية، وتقع المسؤولية في هذه الحالة وفق البروتوكول، على عاتق الطرف المشارك في النزاع الذي جند هؤلاء الأطفال.

ولكن الحماية العامة والخاصة القانونية للأطفال المقاتلين كأسرى الحرب، لا يمنع من تطبيق الأحكام الجنائية عن المخالفات الجسيمة التي يرتكبها هؤلاء الأطفال، والمخالفة لأحكام القانون الدولي الإنساني، خاصة جرائم الحرب، أو المخالفات التي تخل بالقانون الوطني للدولة الحاجزة، لكن مع تقدير مسؤولياتهم حسب أعمارهم، وعموماً تتخذ في حقهم إجراءات تربوية، مع إمكانية فرض عقوبات جنائية وفقاً لضمانات قضائية، أهمها عدم تطبيق حكم الإعدام بحق الأطفال دون الثامنة عشر.

احترام حقوق الأطفال:

على الرغم من أن المادة 88 من البروتوكول الأول نصت في فقرتها الأولى:

“يجب أن يكون الأطفال موضع احترام خاص وأن تكفل لهم الحماية ضد أي صورة من صور خدش الحياء، ويجب أن تهيء أطراف النزاع الحماية والعون للذين يحتاجون إليها، سواء بسبب سنهم أم لأي سبب أخر”.

وأن المادة الرابعة من الفقرة الثانية من البروتوكول الثاني، نصت على أنه يجب: ”يجب توفير المعونة والرعاية للأطفال بالقدر الذي يحتاجون له.”

ورغم التأكيد على هذا الأمر في الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل في عام 1989 وملحقاتها، والتي جعلت من حقوق الطفل حقوقاً إنسانية وعالمية لا يمكن التغاضي عنها، على الرغم من كل هذه النصوص القانونية التي تحمي الأطفال في النزاعات المسلحة لا يزال الأطفال الأبرياء ضحية من قبل الحكومات والجماعات المسلحة التي تستغل الأطفال في نزاعاتها المسلحة، مما يجعلهم يتعرضون لخطر أكبر مما هو الحال عليه قبل إشراكهم في نزاعات الكبار، حيث تؤدي مشاركتهم في النزاع إلى آثار خطيرة على صحتهم الجسمية والنفسية.

Exit mobile version