بات للتهريب سوق ضخمة في تركيا، ولها حالتين؛ الحالة الأولى من التهريب هي لدخول تركيا بداية من الحدود السورية التركية وصولاً إلى الحدود الإيرانية، وعلى الرغم من أن إغلاق الحدود له أثر كبير في اضطرار الأشخاص للعبور بوسائل غير مشروعة، إلا أنني أذكر جيداً أثناء نشاط الحدود بشكل رسمي كيف كان التهريب كثيفاً، وخصوصاً بالقرب من البوابات الرسمية، ويتم من خلاله تهريب الأشخاص الذين لا يملكون جواز سفر بالإضافة إلى تهريب الشاي والمخدرات، بعد إغلاق الحدود ارتفعت أجرة تهريب الأشخاص لتتراوح ما بين 100 إلى 300 دولار للشخص الواحد، ورغم المخاطر المحدقة بالعابرين بالطرق غير المشروعة، إلا أن المهربين دائماً ما يدعمون أعمالهم بدعاية لتلطيف الحالة وتخفيف وصف المخاطر لتبدو كأنها رحلة مسير بسيطة وتمضي بسلام بمجرد تجاوز الشريط الشائك ببضعة أمتار فقط.
الحالة الثانية هي التهريب للخروج من تركيا نحو أوروبا، وهذا النوع من التهريب فيه أرباح خيالية حيث يدفع الشخص ما بين 700 إلى عشرة آلاف دولار للشخص الواحد وتختلف الأسعار حسب وسيلة النقل، ومن أشهر هذه الوسائل هو أرخصها (البلم) حيث يصعد في البلم الواحد حوالي 40 شخصاً ليصل معدل دخل المهرب على البلم الواحد ما يقارب 30 ألف دولار على أقل تقدير، وقد يصل في موسم الصيف إلى ما يزيد عن 90 ألف دولار، رغم أن تكلفة البلم لا تتجاوز 2000 دولار أمريكي فقط.
ليس البلم وحده مكسب تجار البشر والمهربين، حيث يضاف إليهم التهريب البري، ويكون عادة عبر دليل من أشخاص يتم تجهيزهم لعبور الحدود عبر الغابات، ويتخللها ركوب لسيارات نقل أو لشاحنات نقل غير مخصصة لنقل البشر، كتلك الشاحنة التي قضى فيها جميع اللاجئين اختناقاً، وتتراوح تكلفة التهريب عبر البر ما بين 700$ لتصل إلى ما يزيد عن 8000$ إن كانت عبر صناديق شاحنة مغلقة، أما التهريب الأكثر أماناً وأكثر تكلفة هو السفر الرسمي عبر المطارات بأوراق مزورة، حيث يتم تزوير تأشيرة دخول وغالباً ما تكون إلى إيطاليا أو صربيا، وقد تصل الكلفة إلى ما يزيد عن عشرة آلاف يورو.
رغم اختلاف وسائل التهريب وتفاوت المخاطر إلا أنها جميعاً تتشابه في النهاية باستغلال حاجة اللاجئين والمتاجرة بهم، وبحسبة تقديرية يتبين أن واردات المهربين سنوياً تتراوح ما بين 50- 100 مليون دولار سنوياً وهو رقم كفيل بتجهيز مشاريع واعدة لصالح اللاجئين.
أما عن مساهمة بعض اللاجئين في مثل هذه التجارة، ومن خلال البحث في أسواق المهربين يتبين لنا أن جل السماسرة هم أساساً من اللاجئين السوريين والعراقيين، ويشكل هذا التشابه في الجنسية واللجوء ما بين السمسار والراغبين بالهرب وسيلة مهمة جداً لإقناع زبائنهم على أن رحلاتهم آمنة ولا تحتوي على المخاطر، كما أن السماسرة يحاولون دائماً أن يظهروا على أنهم يقدمون خدماتهم مساعدة لأخوتهم اللاجئين حفاظاً على مصالحهم وسعياً لتأمين مستقبل أفضل لهم، ورغم كل الأكاذيب المختلقة والمكشوفة أمام الجميع على أنها مجرد طعم للإيقاع بالزبائن من اللاجئين، إلا أن اللاجئين لا سبيل لديهم سوى الخضوع لهؤلاء التجار.
تتراوح نسبة السمسار على كل زبون ما بين 50 إلى 100 دولار وكثيراً ما يستغل هذا السمسار علاقاته الاجتماعية بالأصدقاء والأقارب لتأمين المزيد من الزبائن وطمأنتهم على أنهم بين أيد معروفة ولن تشكل عليهم أي خطر، إلا أن الواقع له وجه مختلف، حيث تنتهي علاقة السمسار بالزبون عند مغادرته للمكان المتفق عليه لبداية الرحلة، وكثيرة هي الأخبار التي تصلنا عن إجبار المهربين للاجئين للصعود إلى البلم بأعداد كبيرة ومهما كانت الظروف حيث لا خيار آخر لدى اللاجئ ولا يمكنه التراجع حتى لو تم استخدام العنف معهم.
كل ما سبق ليس إلا جزءً بسيطاً من سوق التهريب والتجارة بالبشر غير الشرعية والتي لا تقتصر فقط على تركيا، والمؤلم أن يساهم فيها عدد لا يستهان به من اللاجئين أنفسهم إلى جانب تجار البشر من جنسيات متعددة، وجدير بالذكر أن شبكات تجارة البشر والتهريب لا تقتصر فقط على نقل البشر، إنما يتبعها خطف للأطفال واستغلال للقاصرين، وقد صدر مؤخراً تقرير من وكالة الشرطة الأوروبية يتحدث عن اختفاء أكثر من عشرة آلاف طفل أغلبهم سوريون.
يستمر نشاط التجارة بالبشر دون أي تدخل من الحكومات بشكل جاد لردعها، حيث تبدوا بالنسبة للحكومة التركية بمثابة ورقة ضغط على الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يتجاهل فيه المجتمع الدولي بشكل متعمد أنه بإمكانهم وقف هذه المهزلة وإيجاد وسائل آمنة لاستقبال من يستحق اللجوء.
مستقل، مهووس في تكنولوجيا المعلومات والأمن الرقمي. مهتم في الشؤون الاقتصادية وريادة الأعمال، محرر القسم الاقتصادي في طلعنا عالحرية