Site icon مجلة طلعنا عالحرية

بين مطرقة حرس الحدود التركي وسندان ابتزاز المهرّبين

محمد هشام

ليس إمعاناً في جلد ونقد السياسة التركية في التعاطي مع المتهربين والفارين من انسداد الأفق في سوريا، ولا لوماً لأولئك المتهربين الباحثين عن فرصٍ أفضل للعيش والدراسة في مدن وولايات تركيا، وإنما تسليطاً للضوء على قضية مؤلمة لا تزال تشكل هاجس ألمٍ ومعاناة للكثيرين، وتخلفُ من ورائها عشرات القصص من سيناريوهات السرقة والأمراض وضياع الأوراق الشخصية، وإقامة اللاجئين في ظروفٍ صعبة جداً في بيوت المهربين عدة أيام، قبل أن يجتازوا الحدود السورية التركية ويحملوا اسم اللاجئين.

طلعنا عالحرية قامت بجولة على المهربين، والعديد من الأشخاص الذين خذلهم الحظ، فأُلقي القبض عليهم أو عادوا دون أن يتمكنوا من الاجتياز، وآخرين ممن حالفهم الحظ وتمكنوا من العبور دون أن يُلقي جنود الحرس التركي (الجندرما) القبض عليهم، ويعيدوهم إلى سوريا من معبر باب الهوى بعد وضعِهم عدة ساعات في المخفر التركي في ظروف سيئة ومُخزية.

“عبر علاقاتي وأصدقائي، يتواصل معي أكثر من 200 شخصاً كل يوم، عوائل بأكملها وأفراد يريدون العبور إلى تركيا” قال “عبدو ناجي” أحد الأسماء اللامعة العاملة بقطاع التهريب في بلدة طول لاها الواقعة على الحدود السورية التركيا في محافظة إدلب، وتابع: “نقوم بجمعهم في منزل من طابقين، غير مكسي أو مفروش بالطبع، هناك بعض البطانيات، بإمكانهم استخدامها كغطاء. وبإمكانهم أن يذهبوا ويشتروا أطعمتهم ومستلزماتهم عند الحاجة، أسفل المنزل هناك مرحاض، وبجانبه برميل ماء، كل ما يريدونه متوافر في المنزل”!

لم يكن “جمعة علي” الاسم اللامع في التهريب في بلدة حارم، أحسن حالاً من ناجي في عدم شعوره بالاستياء أو الحرج خلال وصفه ظروف المنزل الذي يجمع به النساء والأطفال والرجال قبل أن يحاول اجتياز الحدود بهم. فالمنزل الذي يستخدمه جمعة لأغراض شبيهة لا يقل سوءاً عن منزل عبدو.. إلا أنه كان لدى جمعة تفسيرٌ لذلك: “لمَ علي أن أهتمَ بظروف المنزل أكثر؟ إذا كانوا لن يقيموا في هذا المنزل أكثر من ليلتين أو ثلاث، و بحد أقصى أسبوع قبل أن أجتاز بهم الحدود؟”.

“ملاك الغضبان” إحدى الناجيات من جحيم حلب، ووصلت إلى تركيا مع والدتها وشقيقاتها بعد معاناة طويلة على الحدود وإجراءات المهربين، عبرت عن تجربتها مع المهربين: “لن تكون هناك معاملة أسوأ من المعاملة التي تلقيناها من النظام وميليشياته خلال خروجنا من حلب، بعدها بتنا نتقبل كل معاناة مهينة من غيره مهما بلغت، مقابل تحصيل الحياة”.

رأيها لم يكن بعيداً عن رأي “محمد” أحد الذين لم ييأسوا من فشلهم في عبور الحدود التركية، واستمر يحاول طوال عشرة أيام متتالية مع مختلف المهربين، إلى أن تمكن أخيراً بعد معاناة شديدة، وليالٍ قضاها في الوحل والثلج والطين، مع ثمانية وعشرين شخصاً آخرين، جلّهم من النساء والأطفال وكبار السنّ في اجتياز الحدود:

“أنت بين مطرقة المهربين وسندان حرس الحدود التركي؛ الأول لا يتوانى عن الصراخ في وجهك وابتزازك بالمال، والثاني لا يتوانى عن إهانتك وسجنك عندما يلقي القبض عليك، ملقياً بمعاناتك وفرارك من الجحيم السوري عرض الحائط.. خلال الطريق ستفضلُ تحمل الابتزاز وسوء أخلاق المهرب مقابل وصولك بأمان إلى الأراضي التركية”.

من جهتها “آمنة” تحدثت عن صعوبات الطريق قائلة: “حاولت العبور إلى تركيا عبر قرية خربة الجوز، كان الجو ماطراً، وسماكة الوحل نصف متر والطريق جبلية، وعليك أن تجتاز نهراً يغمرك حتى فخذيك.. مشينا عدة ساعات على الرغم من أن المهرب أخبرنا بأننا لا نمشي أكثر من ساعة، كنا ثلاثين شخصاً، أطفال ونساء وشباب، انزلقنا على الوحل عدة مرات، وأصبنا بجروح، بعض الطرقات كانت بزاوية 60 درجة صعوداً، علقت أحذيتنا بالوحل، وأكملنا طريقنا حفاة وسط بردٍ قارس ومطر بلّل كل ما نحمله، مما دفعنا للتخلي عن الكثير من أشيائنا بعد اتساخها وتمزقها، ولدى وصولنا للحدود كنا قد استغرقنا أكثر من خمس ساعات من منتصف الليل وحتى الخامسة صباحاً”.

محمد، باعتباره خبيراً  بمحاولات التهريب والمهربين، تحدث عن التكلفة المالية للوصول إلى تركيا قائلاً: “سيخبرك المهرب السوري أنه يتعامل مع مهرب تركي، وأنه يتعامل مع حرس الحدود، ولذا سيطالبك بمبلغ يتراوح بين 250$ و 450$، وغالباً ستكتشف أن 800% مما يقوله مجرد كذب، وأنك ستقفز فوق جدران، وتتنصل من أسلاك شائكة، وتجري طويلاً كي لا يتم إلقاء القبض عليك. وأن شخصاً سورياً آخر من تجار الأزمات هو من ينتظرك في الجانب التركي ليقلّك إلى منزل لا يقل سوءاً عن المنزل الذي أقمت فيه على الجانب السوري، هناك ستتفاجأ بأنه يطالبك بمبلغ إضافي من المال قيمته بين 50$ و100$، وأنه من صلب الاتفاق، ستحاول أن تبدو قوياً وأن لا ترضخ له، لكن مع جهلك بالظروف المحيطة، وتحت تلميحاته بتسليمك لحرس الحدود التركي، ولكونك وحيداً، ستضعُف وتعطيه ما يريد، وأنت تستذكر القصص التي رواها لك أشخاص فشلوا في اجتياز الحدود وألقت الجندرما القبض عليهم كيف تلقوا معاملة سيئة، وسلب بعض حرس الحدود أموالهم وهواتفهم النقالة، وأعادوهم إلى سوريا من معبر باب الهوى، بعد تصويرهم وتوقيعهم على أوراق لم يفهموا محتواها غالباً”!

لعل معاناة السوريين لدى عبورهم إلى تركيا لا تضيف شيئاً جديداً على قائمة معاناتهم الممتدة على شتى الجوانب، ولعله من غير الممكن لومُهم على هجرتهم ولجوئهم للمهربين، إلا أن سياسة المهربين بالابتزاز والظروف السيئة التي يجبرون من يلجأ إليهم على معايشتها تُعدّ ظاهرة مستفزة، تستحق الوقوف عندها، وتحمّل من يقفون موقف المسؤولية من الجهات الأمنية للفصائل مهمة كبيرة في وضع حدّ لهذه التجاوزات الأخلاقية، وتطبيق نظام عقوبات بحق هؤلاء المهربين إزاء تجاوزاتهم الأخلاقية وسلوكياتهم.

Exit mobile version