Site icon مجلة طلعنا عالحرية

بين غلاء وحنين.. نازحات شمال غرب سوريا يستقبلن رمضان بطرق يفرضها الواقع!

هاديا منصور

مع حلول شهر رمضان هذا العام لا تفكر الخمسينية سارة الصبوح بكيفية إعادة الأجواء الرمضانية إلى خيمتها الباردة، وإنما تسرح بخيالها بكيفية التأقلم مع واقعها، وقد بات رمضان بالنسبة لها نوبة حنين وغصة ألم لأم رحل عنها أبناؤها بين مهجر ومعتقل.
تقول والألم يعصر قلبها المتعب: “فقدنا البهجة التي تجمع الأسرة الواحدة حول مائدة الإفطار منذ سنوات، وفقدنا معها الكثير من الطقوس الاجتماعية الرمضانية المحببة، وغدونا نصارع البحث عن قوت يومنا وتسكين آلام جراحنا، أنا لا أتحدث عن بهجة الشهر الفضيل وحسب، وإنما عن الحياة بأكملها”.
أكثر من 6.9 مليون نازح داخل سوريا وفق إحصائية لـ”منسقو استجابة سوريا” يحلّ عليهم رمضان العاشر كما الأعوام السابقة، بأوضاع إنسانية صعبة بين تشرد وفقدان وفقر وغلاء وقلة فرص العمل.


مُعيلة وحيدة في أيام صعبة!
لمى المعراوي نازحة من مدينة معرة النعمان إلى مخيمات كفر لوسين الحدودية، توضح أنها تعمل في الأراضي الزراعية طيلة اليوم مقابل أجر زهيد لا يتجاوز 20 ليرة تركية يومياً، وهي بالكاد تكفي لتأمين ربع احتياجات عائلتها، مضيفة: “شهر رمضان يفرض على النازحة السورية تحمل المزيد من الأعباء لتأمين وجبات الإفطار والسحور في ظل ارتفاع تكلفة المعيشة وغلاء الأسعار”.
النازحة لمى المعيلة الوحيدة لأولادها الخمسة بعد وفاة زوجها، حالها حال الكثيرات ممن فقدن المعيل خلال الحرب، وبقين يواجهن صعوبات الحياة مع أبنائهن لوحدهن.
لا تخفي لمى تفكيرها المستمر بكيفية تأمين حياة لائقة لأطفالها في هذه الظروف الإنسانية الصعبة، فعملها ليس ثابتاً والمساعدات الإغاثية خفت كثيراً عن السابق حسبما أكدت.
بينما تنشغل النازحة أم أحمد بتشغيل موقد الحطب أمام خيمتها في مخيم حربنوش شمال إدلب، تخبرنا أن طبق رمضان اليومي لم يعد متنوعاً كما السابق، وإنما يقتصر اليوم على وجبة من الرز والقليل من اللبن أو البرغل أو المعكرونة أو العدس مما يتم الحصول عليه من بعض الجهات الخيرية، التي بات يعول عليها النازحون كثيراً خلال شهر رمضان، راجية أن تتسع هذه المساعدات خلال الشهر الفضيل.
تؤكد أم أحمد: “المساعدات الإنسانية لم تعد كافية كما السابق، فهي تتراجع عاماً بعد آخر وهاجس تأمين بعض احتياجاتنا في شهر رمضان مؤلم حقاً، وخاصة مع كل هذا الغلاء الجنوني، إذ بات طبق واحد من الفتوش بالخضار الذي اعتدنا أن نصنعه يومياً على سفرة الإفطار في رمضان سابقاً يساوي أكثر من 30 ليرة تركية أي ما يعادل 15 ألف ليرة سورية ، فكيف لنا أن نجاري الأسعار في شهر رمضان نحن الفقراء المنسيين هنا في ظل أوضاعنا الاقتصادية المعدمة!”.


البحث عن حلول بديلة
في رمضان الحالي وبعد ارتفاع أسعار السلع الغذائية واستبدال العملة التركية بالسورية والتضخم الحاصل، تخجل النازحات اللواتي التقيناهن أمام أبنائهن، بسبب عدم تمكنهن من تأمين بعض أصناف الطعام على الإفطار لما للشهر الكريم من خصوصية بالنسبة لهن.
تزامُن رمضان مع فصل الربيع هذا العام، أتاح الفرصة للكثيرات من الأمهات المعيلات، لجمع أنواع مختلفة من النباتات البرية الصالحة لإعداد السلطة ووجبات الطعام الشهي، كالخبيزة والشويكة والسلبين والدردار، وهي طبخات بسيطة ومحبوبة لدى أهالي المنطقة.
النازحة علياء العمر (30 سنة) بدأت كلامها بشكرها لكرم فصل الربيع الذي يعطي الفقراء النازحين وجبات طعام مجانية، موضحة: “نعتمد على هذه النباتات كمصدر للرزق، حيث نبيعها ونعود على عوائلنا ببعض الحاجيات بثمنها، بعض الطقوس الرمضانية ما زالت مستمرة بالنسبة لنا؛ فعصير السوس والتمرهندي والمعروك مواد أساسية على موائد إفطارنا حتى داخل الخيمة، ورغم الغلاء الكبير أصنعها بنفسي بعد إحضار المواد الأولية الضرورية لها”.
تحاول علياء رغم فقرها المدقع أن تحافظ على بعض البهجة المرتبطة بقدوم شهر رمضان بالنسبة لعائلتها، من خلال صناعة بعض المعجنات والحلويات المرتبطة بهذا الشهر، والتي ترسم البهجة والسرور على وجوه أبنائها إضافة لحفاظها على عادة تبادل وجبات الإفطار مع جاراتها في المخيم، متمنية أن يكون رمضان هذا الأخير لهم داخل المخيمات، وأن ينعموا في رمضان القادم بالعودة إلى ديارهم وإزاحة غمة النزوح والفقر عن حياتهم بأقرب وقت.


أولويات الإغاثة
من جهته قال الناشط المدني لؤي العبد (35 سنة) إن أسعار المواد الأساسية تضاعف أكثر من 120 مرة حتى نهاية عام 2020 ونسبة السوريين تحت خط الفقر تجاوزت 84%، ويتابع: “خلال عملي بمنظمات المجتمع المدني نحرص على تأمين المواد الأساسية للنازحين في المخيمات، وخاصة الأرامل والأسر التي تضم أشخاصاً من ذوي الإعاقة، آخذين بالحسبان صعوبة العيش والفقر والعوز التي يعاني منها السواد الأعظم من النازحين”.
ويوضح أنهم في صدد التحضير لإنشاء مطابخ رمضانية يتم فيها تحضير وجبات الإفطار لعدد كبير من النازحين.
ويختتم حديثه قائلاً: “الأجواء داخل المخيمات لا تشبه الأجواء الرمضانية السابقة، ولكن المدنيين هنا يحاولون التأقلم، ونحن كمنظمات وفرق تطوعية نساعدهم قدر الإمكان على ذلك”.

Exit mobile version