رزان، سميرة، وائل وناظم، نخب لكن من الناس، اختاروا أن يكونوا من عامة الناس، وهذا هو الموقف الديمقراطي، الشعبي، العوامي (عامة الناس – كل البشر). الموقف الديمقراطي يرى الناس قبل النخب، النخب تخطئ وتصيب وخطأها يدفع ثمنه البشر العاديون، أما البشر العوام فيمكن القول أنه لا تاريخ الا تاريخهم، هم الحامل لصعود وارتقاء الانسان.
ليس الا انصافا لهم والسير على خطاهم التذكير بعشرات الآلاف الذين لاقوا نفس المصير اعتقالا وتهجيرا وتدميرا وتصفية تحت التعذيب، ليست الظروف وحدها التي شاءت أن يكونوا أرقام، أو بأحسن الأحوال اسم ثلاثي، بدون صورة تجمع أطفاله أو قصة ما تظهر كائنيته. ليست القضية عجزا عن التوثيق فقط، وقد يكون نقص التوثيق نتيجة لإشكال فكري – روحي كبير، عنوان هذا الاشكال أننا ملوثون بموقف ليبرالي. تطرفَ هذا الموقف أحيانا وصولا لأرستقراطية ليبرالية، هذا الموقف عاجز عن رؤية (الناس – العوام) ولا يستطع الا أن يرى النخب، مسطرته في التحليل هو وضع النخب.. يعتمدها دائما في القياس.
في عام 2001 استدعيت الى الخدمة العسكرية وتم تصنيفي كمتخلف عن الجيش، أودعنا نحن المتخلفين وكنا بالمئات في سجن الشرطة العسكرية، الأغلب كان متخلفا لظروف العمل في لبنان من أجل لقمة العيش. استثنيت من حفلة التعذيب الجماعي اعتبارا منهم لمهنة نخبوية، تمت تعرية المئات حتى الملابس الداخلية وبدأ الضرب حتى الادماء… الاغماء.. كان الصراخ عاليا والوقت قد تجمد، وبعد الانتهاء طُلب من الجميع ارتداء ملابسهم خلال خمس دقائق، أغلب الملابس الداخلية بقيت على الأرض لضيق الوقت واختلاطها مع بعضها. تم ايداع الجميع في مهاجع لا تتسع لربع العدد وكان الضرب والتعذيب يعاد كل ساعة تقريبا في المهاجع.
في نفس العام بالضبط صدرت تقارير من منظمات حقوقية في سوريا، وكنت قريبا من هذه المنظمات كصداقة، تقول هذه التقارير أن تحسنا ما قد جرى على وضع السجين السوري.. لم يعد هناك تعذيب… الخ..، دخول القضاء على الخط، ربيع دمشق، كانت التقارير صحيحة لكنها تصف حالة النخب.
ليس المكان هنا مناسبا للحديث عن الديمقراطية واختزالها بفكر النخب الى صناديق اقتراع، لكن من الواجب القول الفصل أن الديمقراطية هي موقف فكري روحي لم يتجذر فينا بعد، وأن المناخ الليبرالي قد طال الجميع حتى عند الذين يشتمونها، وأخص هنا الاسلاميين.
الديمقراطية تجعلنا نرى من استشهد في العتمة قبل الذي استشهد في النور، الليبرالية تجعلنا نرى من في النور، وتجبرنا على ذكر من في العتمة ضمن سياق تختاره هي، سياق بأحسن الأحوال تجميلي، توظيفي، رقمي، اقصائي.
الديمقراطية خيار مبدأي (مبدأ وبداية) بعد هذا المبدأ – البداية يتم نقاش كل التيارات والمناخات (ليبرالية أو غيره) .
أخيرا من المفيد توجيه تحية للرائعة يارا صبري، التي قدمت نموذجا بالانحياز لمجموع الأمة، لكل معتقل ومفقود، والتذكير عبر صورة أو لمحة بسيطة أنه كائن – انسان .