فرات الشامي
لوجوده بيننا حضوره المستفز، لا بد لجلسته وحواراته من تشكيكٍ وسوداوية، هي غالباً كانت نتاج فكرٍ يتحرق لما يحدث من أخطاء أفرزتها الثورة.
تطلعاته السياسية كانت من النوع الذي يجذبك لتناقشها، تقبل منها وترفض.
بحثه المستمر عن الحديث عن معاناة السوريين غلبت على كلماته وسطوره، بدأً من أول مقالاته التي حملت طابع التحليل السياسي وصولاً إلى آخر ما كتبه من حسٍ نقدي على صفحته الشخصية على “فيس بوك”.
شخصيةٌ طموحة لأبعد الحدود، حالمة، مثقفة، تعرف أين تتجه.
له حضوره بين كتاب مجلة “طلعنا ع الحرية” فهو جزءٌ من هذا النسيج الذي يحاول أن يرسم ملامح لسلمية الثورة، وأسلوب تفكير الثائر الذي حمل القلم سلاحاً بديلاً عن البندقية، ينتقد تارةً وتارةً ينتشي بالنصر، يتألم تارةً وأخرى ترى في كلماته شيئاً من أمل يبثه هنا وهناك.
موتٌ ورغبات… من العناوين التي تحدث بها قلمه في هذه المجلة، من خلال معايشته واقع مدينته، مزج بين الثورة والحب والزيف، اختصر في جميع ما كتب جزأ من الواقع الثوري الذي تعيشه مدينة، وبعض المدن السورية عموماً.
إعلامياً بالقدر نفسه الذي كان فيه منظراً فاهماً لمجريات الأمور الثورية والسياسية.
تغيبه اليوم زنزانة النظام السوري، وتغيب حروفه، لكن موروثاً فكرياً تركه بين صفحات الوريقات، في قلوب أصدقائه.
ليس بالتأكيد أول من اعتقل من المثقفين في ظل القمع الذي يمارسه نظام طاغية دمشق، بل ينضم إلى ركب الأصدقاء منتصراً على جلاده برغم من وقوفه خلف جدران الزنزانة والعتمة.
عتمةٌ فرضها النظام على الورقة والقلم ويأبى رفاق الدرب إلا أن تضيء للقادمين من الأجيال التي نعتقد ونؤمن أنها ستفرح بالنصر الكبير بإذن الله.
بين الرغبات والموت، يبدو أن كلماته ستظل حاضرةً تحاصر جلاده، وتطلب من رفاقه الاستمرار بالتفكير الذي دعا إليه، لما كتب وحاول شدّ قرائه بعناوينه التي اعتبرت مبهمةً ذات يوم.
موتٌ ورغبات يبدو أنها معادلةٌ صيغت لتكون الحد الأخير الذي انتهت إليه كلمات “الرغبات” وما تعنيه من الانتقال من حالة اليأس إلى الأمل والحياة وربما الخلود.
ربما يفهم من النص الذي كتبه غير ما أقول، لكني ضمن هذه الكلمات أحاول البوح ببعض ما حاول قوله في “عنوان” ثم لينطلق منه إلى مرحلةٍ أخرى من ألمه.
انتظر انطلاقة العدد الجديد من المجلة، لينطلق ربما برؤيةٍ جديدة، ونظرةٍ مختلفة بصياغةٍ تبتعد عن أسلوبه القديم، إلى الحس الاجتماعي الذي يقترب من الواقع عن كثب، يعالجه، ويتعاطف معه، ويصبغ حروفه بلون العاطفة بديلاً عن لون السياسة وجمودها.
غابت حروفه من صفحات هذه الوريقات، لكن حضوره يحوم في فضاءاتها، ولربما يعود ذات يومٍ بيننا ليكمل مشواره، مع تجربةٍ يرويها لنا بطريقته الناقدة الساخرة.
نماذج كثيرة غيبتها جدرانٌ سوداء اسمها “زنزانة” وقليلةٌ تلك التي تركت بصمةً في حياتنا، إلا أن الثورة السورية أنجبت شباباً واعياً مثقفاً، بقدر ما نختلف معه أو نتفق، فقد كان إخلاصه أساساً لأثره وبصمته، وأيضاً دافعاً للتعامل معه ولعلنا نفتقده بيننا.
لـ “صديقنا الغائب” وجميع المعتقلين السياسيين والمدنيين والإعلاميين الحرية.
ولسوريا النصر والفرج القريب.