مجلة طلعنا عالحرية

بيدق / سرى علوش

طعنة في الظهر! وجهك القديم المغمور بابتسامات النسيان، ووجهك الجديد الغريب الذي لم أتعرف إليه، والذي يبتكر ألف فكرة وفكرة لقطع حباله الصوتية. وجهك المتقدم على خط الزمن دون أن يتعثر بالأغاني والاقتباسات، ودون أن تفقده محنة الغفران صوابه فتختلط الصور في ذاكرته وينتبه. وجهك الجديد خيانة فاجرة لبنت كنتُها قبل عامين ومازالت تنتظرك هناك في محطة القطار لكي تفترقا أخيرًا بحرفة عاشقين عارفين ألم الفراق وقادرين على التعايش معه. وجهك خرق لغوي طغى ضعفه البلاغي على السلام المبتذل والكف التي انقطعت أخبارها عن العرافة مذ انقطع إيمانك بكذبة الأبدية. كان ذلك كافيًا لكلينا لكي نعترف أن فكرة الوقت غير كفيلة بشفاء الجروح التي نفتحها كلما التقينا أو بإيقاظ النسيان النائم من شروده عن مصيرنا؛ مصيرنا الذي ليست لديه أدنى فكرة عما ينتظرنا من ندم يفترس أسماءنا كمجرم متمرس. طعنة في الظهر صوتك! صوتك الغائب اليابس كغريب لا يميز قلبه التاريخ ولا يحركه مربعًا زمنيًا واحدًا.

غيرتنا الحرب. أكلت وساوسنا وألق الكذبات الكثيرة التي رميتها في وجهي كذبة وراء أخرى حتى لم أعد قادرة على هزيمة الوقت وترتيبها والنظر فيها أو اكتشافها. غيرتك الحرب؛ أخذت قلبك ووضعت مكانه لعبة بلاستيكية قديمة تنكسر داخلك كلما تقلبت في نومك دون أن تدري أو تصدق احتمال أن ينكسر داخلك شيء دون أن يؤلمك! لم تغيرك الحرب، ربما لا تغير الحرب أحدًا؛ هي تكتفي بخلع الأقنعة عن وجوه الجميع ومنحهم من الموت ما يكفي للتخلص من نعمة الخجل والامتثال للكوابيس التي يعيشون فيها ويسمونها حياة.

طعنة في الظهر يدك؛ يدك التي ابتسمت لكتفي مرات عديدة وغطت جسدي بضحكاتها الملفوفة بالموج، ثم أطلقت النار عليه حين استدار نحو الفرح ليبرر غفرانه لك، ويقنع الله بحبك الذي لا دليل عليه سوى غيابه. الطعنات لا تقتل. الطعنات تغير اتجاه الريح فقط، وتجعلنا نسلك طريقًا آخر لا مرايا تُزوّرنا في نهايته، ولا ظلال تنام على أرصفة المدينة التي أضعت نفسك بين فتيات ليلها، ولم تجد بدلاً عنها سوى بيدق أكثر جبنًا من أن يدخل حربًا.

Exit mobile version