Site icon مجلة طلعنا عالحرية

بعد خمس سنوات أين هو الإعلام الثوري البديل؟!

زهرة محمد

رغم بداياته الخجولة ببعض الهواتف النقالة والقلة من النشطاء الشباب، إلا أنّ الإعلام البديل أو الثوري إن صحّ التعبير كان من أقوى الأسباب التي جعلت الثورة السورية تصل لكل بعيد، وكان نقل الصورة من الشارع يعتبر مفهوماً جديداً للشعب الذي فقد ثقته بالإعلام المُسيّس، والذي غيّب الشارع وهتف لشخص واحد.

سنوات مرّت على قيام ثورة إعلامية تجلّت بقلب المفاهيم المحدودة، ورفض الخضوع لكلمة السلطة التي تمثلت بالنظام ذي السطوة الشديدة على الإعلام السوري طوال عقود. كان الإعلام البديل هو صوت الشارع السوري، واستطاع جذب عيون العالم إلى ما يحدث في سوريا، ولكنه وحسب رأيّ الكثيرين ما لبث وخلال السنوات التي تلت أن تفرّق شعباً وتبعيات، ولم يحاول رغم بعض التجارب القوية الفردية أو القليلة أن يكون بديلاً عن وسائل إعلامية عالمية أو عربية، ولم يرتق لأن يكون بين مصافِّ تلك الوسائل. وحكمته من جديد التبعية لجهات التمويل حيناً والخضوع للسلطة التي تملكه حيناً آخر، بالإضافة إلى قلةّ المهنية والحرفية من جهة أخرى، حيث كان معظم من يمتهن الإعلام من النشطاء غير المؤهلين الذين لم يستطيعوا الانخراط أكاديمياً ليعكسوا رؤية حيادية أو مهنية صحافية حقيقة.

– هل يرتقي الإعلام الثوري إلى مراتب الإعلام الأخرى؟ وما أسباب عدم تقدمه خلال سنوات؟

كثيرة هي الأسباب التي جعلت الإعلام الثوري يتفرّع ويخبو ويعكس وجهات نظر تُضعِف الرسالة الثورية، وقد ألبس ثوباً غير ثوبه، بانعكاسات كبيرة دخلت وغيّرت مفاهيمه التي خلق لأجلها، ويبدو أنّ الإعلام الثوري لم يعد قادراً أحياناً على التواصل مع الشارع الذي خرج منه. ورغم اتهامه من قبل البعض بعدم الحرفية لأنّ من يعمل فيه نشطاء أو هواة، فالحقيقة قد تكون مغايرة تماماً، لأنه وعلى الصعيد الفردي ما يزال الشارع يؤمن بهؤلاء الذين يبخسهم البعض حقهم، ألاّ وهم الناشطين/ات.

في حين وإن تكلمنا عن الصعيد المؤسساتي، فحتى الآن ورغم إمكانيات الكثير من المنابر، نرى تجييشاً لفكر معين، وانحرافاً كبيراً عن المصداقية والمهنية، هذا عدا عن عدم وجود آليّة سياسية موحدة كحكومة الائتلاف السوري والتي يقع على عاتقها تدعيم الوجود الإعلامي المحترف، أو تمويل وإيجاد جهات تعليمية قادرة على تحريك عجلة الإعلام بشكل إيجابي، يضاهي الإعلام العربي والغربي.

الأستاذ “أكرم الأحمد” رئيس “المركز الصحفي السوري” يرى أنّ: “هناك مقومات، كانت لتساعد على إقامة مؤسسات إعلامية مهنية ذات رؤية حيادية بعيدة عن التجنيد، مفقودة في أغلب المنابر الإعلامية؛ من أهمها عدم عمل الإعلاميين وهجرة العقول الخبيرة إلى الخارج، وعدم عملها ضمن نقل الأحداث السورية، ونظراً لهذا لم يتبق في الساحة الداخلية إلا الهواة والشجعان من الناشطين والناشطات”. ويتابع: “التمويل من أهم الدعائم القوية، والذي للأسف يُعطيك ليأخذ أكثر، ويستنفد فكرك ومنبرك كإعلامي لتخدم مصلحته. والمنظمات التي فضلت أن تساعد المنابر الخارجية على أن تغرق نفسها مع مؤسسات ضمن سوريا رغم محاولة الكثير من هذه المؤسسات الحيادية وتقصي الخبر عن قرب، ونظراً لأنّ غالبية الإعلام حالياً يعتمد على ممولين، فهو يكون عرضة للانهيار في أي وقت. وقد حصل هذا للكثير من المواقع والمؤسسات”.

يُقيّم الكاتب “حافظ قرقوط” العمل الإعلامي الثوري بعدم الارتقاء للمفهوم الصحيح للإعلام الحقيقي قائلاً: “الإعلام الثوري خارج التصنيف، ومازال منفعلاً وليس فاعلاً، وأقرب إلى الإعلام التجريبي منه إلى الإعلام المهني أو المحترف، ما عدا بعض الاستثناءات الفردية وليست المؤسساتية!”.

أمّا بالنسبة للكاتب والمخرج “زياد الحلو” فرأيه كان كاتهام لكلّ المنابر الإعلامية الثورية، حيث قال: “ليس هناك إعلام ثوري، وما كان من الإعلام الثوري خُطف مع الثورة حيث خطفت!!”، وحسب رأيه فإنّ “الإعلام الموجود الآن ما هو إلا أجندات تخدم مصالح كبيرة أو صغيرة، وتنجرف نحو التطرف تارة ونحو العلمانية تارة أخرى، ولا تعكس صوت الشارع السوري، ولا ترقي لمستوى الثورة أصلاً”. مُضيفاً أنّ “الإعلام الموجود هو تماماً كإعلام النظام السوري، وأنّ الناس مُضطّرة أن تتابعه نظراً لعدم وجود البديل، كما كانت تتابع منابر الإعلام السوري قبل الثورة وهي (لاحول لها ولاقوة) فهي تسمع وترى وتقرأ المتاح فقط! وهذا الإعلام البديل يلزمه عقود وأجيال ليرتقي إلى مصاف الإعلام الغربي، وأن يصل لحريته وتعاطيه مع الحدث والخبر، ورفع سقف الحريات بعيداً عن التسييس والسلطة”.

في حين يعزو الفنان الكاريكاتيري “ياسرالأحمد” أنّ “الخطاب الإعلامي كان موحّداً حتى عام 2012، ثمّ تمّ شدّ البساط من تحته، وبدأت الرؤية تتفرّق وتتشرذم، وكان هذا من أهم أسباب انحدار المستوى والذي اختلف كثيراً عمّا بدأ”. وهنا أشار الأحمد أنّ “فن (الكاركاتير) لم يخرج كذلك من (التابوهات) التي كانت مُدرجة تحت ظل التبعيّة لما كان أيام النظام الأسدي، وأنّ هناك الكثير من الإعلاميين في المجال مُسيّرين لا مُخيّرين أحياناً، وأنه يجب التخلّص من عقدة الخط الأحمر، ورفع سقف الحريّات التي ما تزال ترزح تحت ما يريد الأعلى سلطة منك أن تنفذه، وساد تغييّب صوت القلم والفكر من قبل السلاح على عموم أشكال الثورة وليس فقط الإعلام!”.

– أين الإعلام الثوري من المهنية والحياد؟

في الواقع إنّ تغييّب الحيادية قد يكون قاتلاً في هذه المهنة، ورغم أنه شرط أساسي، يرى البعض من أهل الإعلام أنّ الوقوف على الحياد في الإعلام الثوري صعب، وفي بعض الأحيان مستحيل، لأنه انطلق من رحم الثورة وهي التي صنعته.

للبعض من أهل الاختصاص، فإنّ الإعلام الثوري ما زال بعيداً عن أن يكون ضمن المنابر العربية، وأنه بعد خمس سنوات ما زال في معظمه إعلاماً هاوياً، ومازال أغلب الفاعلين فيه مجموعة من الأفراد غير الأكاديمييّن، ويفتقرون للخبرة وللمهنية.

يرى الأستاذ “حافظ قرقوط” أنّ هناك فجوة في طرُق مُخاطبة العالم، ومخاطبة الداخل السوري وحتى مخاطبة القوى الثورية: “نحن في ثورة والحياديّة هنا كمن يضع السم بالدسم، لولا هذا الدم الزكي ولولا الثورة العظيمة لكان الجميع يترقب منيّة النظام عليه. ولكن يجب على هذا الإعلام أن يتسم أكثر بالمهنية، التي تعني الصدق بالمعلومة، والصدق حكماً سيجعل المادة الإعلامية في مصلحة الوطن السوري”، ويتابع حديثه: “وهنا لا بد من الإشارة إلى أنني شخصيّاً أعرف بعض القائمين على مؤسسات إعلامية بالإضافة لبعض مُقررّي التمويل الإعلامي ورؤساء تحرير لا علاقة لهم بالإعلام، ولم يقدموا في تجربتهم الإعلامية سطراً واحداً”.

أما بالنسبة للأستاذ “م-ف” مراسل لأحد القنوات العربية والذي فضّل عدم ذكر اسمه الكامل، فهو يرى أنّ “الإعلام البديل كان يعطي انعكاساً للحالة الثورية التي تجلّت بالشباب النشطاء، وأنّه ورغم بساطة الأدوات إلا أنّ الخبر كان يصل بقوة، فقد كانت التغطية ليست حرفية ولكنها مستمرة للمظاهرات وتحركات الجيش السوري، وقصف المدن السورية”. وبرأيه فإنّ العمل مع بعض الأقنية الشهيرة ساعد على صقل الخبرات وزيادة الحرفية للمراسلين داخل الأراضي السورية، من حيث تغطية الخبر ونقله بالصورة الصحيحة.

ولكنه يرى أيضاً أنّ “عدم الحيادية والتبعية التي اتخذها الإعلام الثوري طريقاً أحياناً، والذي يقلد فيه إعلام النظام، يعكس صورة سلبية، حيث هناك نوع من التدليس والمحاباة وتلميع صورة بعض الأطراف والتبعية الجارفة التي تقدّم إعلاماً غير مهني ويفتقر كثيراً للصورة التي ينشدها الإعلامي الحقيقي”.

ولكن الأمر ليس دائماً سلبياً؛ فرغم أنّ من يجعل حركة الإعلام الثوري تدور هم بالغالبية نشطاء، فهناك آراء أنهم هم من استطاعوا حتى الآن شدّ نظر العالم إلى ما يجري على الساحة، وأنّ الأمر قد يؤتي ثمره لأنّ الوضع داخل سوريا يفرض حالة تختلف عن كامل الساحات التي يعمل فيها الإعلاميون الآخرون.

ويرى “هادي العبدلله” الذي يعتبر من أهم النشطاء الإعلاميين الذين ظهروا في الثورة أنّ الإعلام الثوري رغم عدم مهنيته الكبيرة  مازال بخير حسب رأيه، حيث قال: “استطاع الإعلام الثوري أن يتحدّى إمكانيات إعلامية قوية وكبيرة ومنها آلة النظام والقنوات التي تؤيده، على سبيل المثال تمّ سرقة فيديو لأحداث في حلب مؤخراً وكنت قد صورته أنا، وبثته القناة الروسية على أنه من إنتاجها وتصويرها، وكانت فضيحة كبيرة بالنسبة لهم في الساحات الإعلامية العالمية، ونحن كناشطين رغم عدم تمكننا من دراسة الإعلام وخضوعنا لتدريبات أو دورات إعلامية، وبالرغم من كل السلبيات والمضايقات من النظام وتهديد حياتنا من عدة أطراف استطعنا نقل الحقيقة.. ما زلنا صوت الشارع، لأننا نملك قضية تجعل لدينا هدفاً سامياً، ولو كنا غير محترفين”.

– ما الذي ينتظر الإعلام البديل؟ وهل توجد حلول؟

يُشير الأستاذ “طه الرحبي” الصحفي في جريدة “القبس الكويتية” أنه مازال هناك وقت لوجود مرجعيّة إعلاميّة موضوعيّة مجرّدة من أيّ غاية؛ ويكمل رأيه من مقالته في أحد المواقع، والتي أراد الاستشهاد بها: “الدول العظمى لها إعلام مُنضبط في المعارك، لديها القدرة على توحيد الخطاب الإعلامي ونقل المعاناة التي يتعرض لها الشعب في الداخل والخارج، ويعمل بنفس الوقت على إثراء عقول المواطنين لرفع مستوى إدراكهم وثقافتهم وإيضاح ما يحاط بهم من مخاطر ومكائد، ويقوم بتوجيه رسائل مُنتقاة إلى المجتمعات الدولية تخدم قضايا وتطلعات الثورة”، مُضيفاً أنّه “لابد من وجود رؤية إعلاميّة مُوحّدة ومنبر واحد مُحترف قادر على المنافسة والتعامل مع الموقف المعقد للأحداث والتسويق الإعلامي والسياسي للثورة، والمناط به التأثير على الرأي العام”.

يدرك القارئ أو المتابع من خلال ما سبق، أنّ الإعلام الثوري البديل قد يكون مُتهماً من قبل الغالبية بأنه لا يرقى لتلك المكانة التي يتمناها كل من يتطلّع لإيجاد إعلام قوي مُتماسك قادر على رصد ومتابعة وتحليل ما يجري بعين الحياد والمهنية والشفافية، وأنّه ليس حرفياً بالمعنى الدقيق للمهنة التي يقع على عاتقها الكثير، والتي يمكن أن تحدث تغييّراً جذريّاً في قلب الأمور في الكثير من الأحيان، إلاّ أنّ الكثير من الأساتذة أشادوا بمحاولات كثيرة، قد تكون فردية إنما قد تحدث فرقاً على المدى البعيد، وهي تعكس واقع ما يجري وتحاول خوض غمار المعترك الصحافي إذا صح التعبير. وهناك آراء تقول إنّ الإعلام ليس وحيداً بل إنّ الثورة كلها ما زالت في مرحلة مخاض ثوري، وغربلة وإعادة حسابات، وهي مهمة صعبة ولكنها ليست متسحيلة.

Exit mobile version