لمحة تاريخية:
منذ عام 1951 بدأت أولى بوادر تشكيل الاتحاد الأوروبي ليكون كتلة سياسية واقتصادية فريدة من نوعها، تأسس الاتحاد على إثر اتفاق بين ستة دول واستمر التوسع إلى أن وصل عدد الأعضاء الأكبر في تاريخ الاتحاد إلى 28 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي إلى جانب ستة دول مرشحة للعضوية قبل خروج بريطانيا عام 2016.
الدول المؤسسة وهي (ألمانيا، إيطاليا، بلجيكا، فرنسا، لوكسمبورغ، هولندا) بدأت أول تجمع أوروبي بعد اتفاق لتشكيل المجموعة الأوروبية للفحم والصلب، وكانت هذه المجموعة نواة لتشكيل المجموعة الاقتصادية الأوروبية ثم الاتحاد الأوروبي.
في عام 1957 وقعت الدول الستة المؤسسة على معاهدة روما، بريطانيا رغبت بالانضمام إلى النادي الأوروبي لكن الموقف الفرنسي كان عائقاً، وكان شارل ديغول يعتبر بريطانياً خادمة للولايات المتحدة الأمريكية، وفي العام 1973 التحقت كل من المملكة المتحدة والدانمارك، ثم اليونان عام 1981، وإسبانيا والبرتغال في 1986، ثم إيرلندا في 1993، فالسويد وفنلندا والنمسا عام 1995.
وفي 7 فبراير/شباط 1992 وُقِّعت معاهدة ماستريخت بهولندا وتم بمقتضاها تجميع مختلف الهيئات الأوروبية ضمن إطار واحد هو الاتحاد الأوروبي الذي أصبح التسمية الرسمية للمجموعة.
وابتداء من عام 2004 امتد الاتحاد الأوروبي نحو دول أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، حيث انضمت عشر دول جديدة هي أستونيا وبولندا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا وسلوفينيا ولاتفيا وليتونيا والمجر، كما انضمت كل من قبرص ومالطا للاتحاد.
وفي 2007 انضمت رومانيا وبلغاريا، ووصل أعضاء الاتحاد الأوروبي حتى 2014 28 دولة. ولا تزال بعض الدول تنتظر للالتحاق بركب الاتحاد كتركيا وألبانيا وأيسلندا ومقدونيا ومونتنيغرو وصربيا.
بريطانيا كدولة ضمن الاتحاد الأوروبي كانت مميزة دائماً، كانت ترفض دفع أكثر مما تناله من الموازنة الأوروبية، وفي عام 1986 قبلت الانضمام إلى السوق المفتوحة، لكنها تميزت برفض الوحدة النقدية وكل سياسات الجباية المشتركة. وكما تميزت في الجانب الاقتصادي قررت بقائها خارج اتفاقية سنغن. وجاء هذا التميز بسبب سياسات محافظة، لتصبح بذلك من أكثر الدول الأوروبية عرضة للخروج منذ بداية دخولها.
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي:
بتاريخ 23 حزيران/ يونيو 2016 خرجت المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي وفق استفتاء وعد به رئيس الوزراء ديفيد كاميرون ضمن خطابه في 23 يناير/ كانون الثاني 2013 في حال أعيد انتخابه لرئاسة مجلس الوزراء مرة أخرى في الانتخابات التشريعية التي شهدتها بريطانيا في 2015.
أبرز الخلافات بين المؤيدين والمعارضين لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي تركزت على الهجرة والاقتصاد والتجارة والنظم والقواعد والسيادة.
شهدت البلاد في عام 2015 وصول 336 ألف شخص بين مهاجرين ولاجئين، من بينهم 180 ألف مهاجر من الاتحاد الأوروبي، ويعتقد المؤيدون لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، أن الحد من الهجرة سيخفض نفقات الرعاية الاجتماعية، وينشط الخدمات العامة ويحفظ الوظائف للبريطانيين، إلا أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيفقدها التأثير على سياسات الهجرة الأوروبية ولن يكون لها الحق في ضبط الأمن عند مدخل النفق الأوروبي في مدينة كاليه بفرنسا، حيث يتجمع آلاف المهاجرين تحيناً لفرصة الوصول إلى الشواطئ البريطانية.
نظرة مستقبلية:
انخفضت قيمة الجنيه الإسترليني بشدة ووصل إلى أقل مستوى له منذ 31 عاماً، ومن المتوقع بقاء قيمته منخفضة على المدى المتوسط، مما سيؤثر على تكلفة شراء السلع والخدمات من خارج المملكة، كما سيؤدي إلى زيادة التضخم، وستصبح السلع البريطانية في الخارج أقل سعراً.
قد يعزز انخفاض قيمة الجنيه من زيادة الصادرات مما يزيد من مكاسب المصدرين، إلا أن صادرات بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي أقل من وارداتها، حيث بلغت الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي نسبة 45%، في المقابل بلغت واردات بريطانيا من الاتحاد الأوروبي نسبة 53/% عام 2015.
ووفقا لحسابات المركز الأوروبي للإصلاح، فإن انضمام بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي أدى إلى زيادة صادراتها بنسبة 55%. وبحسب “أوبن يوروب”، يمكن أن يؤدي خروج بريطانيا إلى خسارة الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030 بين 0,8% إلى 2,2%.
ومن دون إتاحة الوصول إلى السوق المشتركة، فإن المملكة المتحدة ستفقد بعضا من الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي مصدرها بنسبة 48% الاتحاد الأوروبي (496 مليار جنيه العام 2014) لصالح دول التكتل.
ويعتبر المستفيد الأول من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هي لكسمبورغ، وقال وزير مالية لوكسمبورغ “بيير غرامينيا” مؤخرا “يسألني صحافيون بنية حسنة أو سيئة إذا كان خروج سوق المال في لندن من الاتحاد الأوروبي سيعطي دفعة لسوق لوكسمبورغ؟”.
ويضيف مجيبا “لا أشاطر هذا التحليل رغم سروري بالأمر، لأن الكثير من الفاعلين يعتبرون أن لوكسمبورغ ستصبح في حال خروج بريطانيا” السوق المالية الرئيسية المحتملة في أوروبا.
ويستعد القطاع المصرفي في لوكسمبورغ الذي يضم 143 مؤسسة، لاستقبال مصارف جديدة من لندن تابعة لدول غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وخصوصا أمريكية وأسترالية وكندية وسويسرية وتركية.
وقال سيرج دو سيليا، المدير العام لجمعية البنوك في لوكسمبورغ، “سنحاول لعب ورقة توفير مقار رئيسية”، أي دعوة المجموعات العالمية الكبرى إلى جعل مقرهم العام الأوروبي في لوكسمبورغ.
كثيرة هي التداعيات والتحليلات حول ما ستؤول إليه الأحوال نتيجة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومن المؤكد أنها ستترك أثراً واضحاً في كافة المجالات من الصناعة والتجارة والسياحة بالإضافة إلى الآثار السياسية، وبشكل خاص فقدان صوت حليف أساسي للولايات المتحدة الأمريكية في الاتحاد الأوروبي. إلا أنه من المبكر جداً الحديث عن انهيار في الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أن العديد من الأحزاب اليمينية في البلدان الأوروبية تترقب الفرصة للخروج من الاتحاد الأوروبي.
مستقل، مهووس في تكنولوجيا المعلومات والأمن الرقمي. مهتم في الشؤون الاقتصادية وريادة الأعمال، محرر القسم الاقتصادي في طلعنا عالحرية