رأفت الغانم
يشهد العالم العربي ثورة في البرامج اليوتيوبية التي وفرت مساحة أكبر من حرية النقد والتعبير، واختصرت الطريق نحو جمهورها متجاوزة البيروقراطية التي يفرضها التلفاز. وفي حين حققت بعض التجارب العربية قفزات في البرامج الترفيهية المسجلة، غابت السورية منها عن الساحة بسبب نقص الموارد من جهة والمخاطر التي تحفها من جهة أخرى، بداية ببرنامج “عنزة ولو طارت” ومقدمته التي أخفت وجهها بقناع، وانتهاءً باختطاف عبد الوهاب الملا “أبو صطيف الحلبي” الذي قدم برنامج “ثورة ثلاث نجوم” من الأحياء المحررة في حلب.
وفي الوقت الذي اجتاحت فيه الأعمال الفنية السورية المنطقة العربية، غابت عقب الثورة المبادرات الشبابية القادرة على كسر الحواجز وإيصال رسالة الثورة والمجتمع السوري، خصوصاً أن الحالة الراهنة تحظى باهتمام وسائل الإعلام، لكنه اهتمام يبقى رهين الحرب وربط العنف بالشخصية السورية.
“نكزة” برنامج يوتيوبي جديد يعرف عن نفسه بـ”برنامج ترفيهي يناقش مختلف القضايا التي تتعلق بالشأن السوري” يقدمه من اسطنبول الشاب سومر باكير المنحدر من مدينة سراقب. قدم البرنامج حتى الآن ثلاث حلقات مكثفة قصيرة راعى فريق العمل خلالها مسألة الوقت فيما بات يعرف “بعصر السرعة”، حيث لم تتجاوز الحلقة الواحدة منها الست دقائق، وهو ما يظهر منذ البداية عندما أراد المقدم التعريف بالبرنامج قبل أن يتم تسريع صوته وإخفاءه نهائياً، ومن ثم الانتقال مباشرة لموضوع الحلقة، وهي بداية محفزة وجذابة.
الحلقة الأولى ناقشت مجتمعي النظام والمعارضة، بقالب كوميدي ركز على الأجهزة الأمنية في مناطق النظام وحجم الرعب الذي تخلقه، وارتباط إعلامه الوثيق بهذه الأجهزة. أما مجتمع المعارضة فناقشت الحلقة المخاطر التي يتعرض لها الفرد في المناطق المحررة، وعدم تقبل النقد من قبل العاملين في مؤسسات المعارضة والحملات المنظمة التي يجابه بها الناقد، بلغة خفيفة بعيدة عن الإسفاف في ظل انحدار لغة وسائل التواصل الاجتماعية، والتي انتقدتها الحلقة أيضاً، وذهبت مباشرة للسبب الأبرز “المايوه” وكيف حظي بكل هذا الاهتمام في ظل أحداث أهم.
الحلقة الثانية وجهت انتقادها لتنظيم داعش وأفرع “البي كي كي” في سوريا بأسمائها المختلفة، وجاء انتقاد داعش بعيداً عن الكليشيهات العامة التي طغت على البرامج اليوتيوبية العربية، والتي دارت حول فكرة جهاد النكاح والسبي والحور العين. حيث جردت الحلقة أوهام التنظيم عبر انتقاد تصرفات عناصره ومخالفاتهم ومطاردتهم لتفاصيل لا تغيب عن حياة أي مجتمع على وجه الأرض، ومحاولة التنظيم القضاء عليها في حربه الدونكيشوتية، وطرق الإعدام المختلفة التي تتبعها داعش، بالرغم من أنها تؤدي غرضاً واحداً وهو الموت! وأمام سعي الإنسان الفطري للبقاء على قيد الحياة، الحياة الرحبة المتنوعة، لابد لتنظيم الموت من الموت.
بعد داعش تنتقد الحلقة الميليشيا الكردية، حيث يسرد المقدم سيناريو يؤدي بالمار على حواجزها في مناطق سيطرتها إلى السجن المليء أيضاً بالمعتقلين الأكراد، ويتطرق لفكرة الكفيل الكردي والتي تحيل للكفيل بالخليج، وتظهر موسيقى شعبية خليجية كخلفية عند الحديث عن المناطق الكردية.
الحلقة الثالثة تبدأ بالرد على منتقدي برنامج “نكزة” وتظهر بعض شتائمهم، قبل أن تنتقد الراديوهات والصحف الورقية والالكترونية، والدعم الذي تتلقاه مقارنة مع ما تنتجه، وغياب الشفافية والمناحرة بين صحف وأخرى، وإقصاء شرائح من المجتمع السوري، وتضخيم الراديوهات لذاتها وإعطاء نفسها أحجاماً أكبر من حجمها الحقيقي، إلا أن صحف وراديوهات أخرى غابت عن السيرة!
وعن المعايير المتبعة في اختيار موضوع الحلقة، وجهنا سؤالاً للمقدم سومر باكير وأجاب أن الحلقة من إعداد فريق عمل سري مكون من مجموعة من الشباب، والذين يجتمعون ويختلفون ثم ينصرفون دون التوصل لنتيجة، ولاحقاً يعاودون الاجتماع وينحون خلافاتهم جانباً، ويتفقون.
وإن كانت إجابة باكير تحمل بعض السخرية، لكنها تشير للعفوية والتلقائية في اختيار الأفكار.
فنياً يأتي الجانب التقني متنوعاً وجميلاً عبر تحويل الكلمات النابية لأخرى عادية تقترب من وزنها لغوياً بأصوات مختلفة تظهر وتخفي صوت المقدم، أو عبر تسريع صوت المقدم وترك المشاهد يتخيل ما قيل، أو كتابة تعليقات وإبراز أصوات خافتة تدعم أفكار المقدم. أما البناء السردي في الحلقات فيركز على إشراك المشاهد ووضعه في قلب الحدث، عبر استخدام كلمات مثل “تخيل/ تقف أمام/ ينقلونك” فيقبل المتلقي الكلمات التي تعقبها “شريك/ تعصر ذهنك/ تتمنى”، لكن إذا ما استمرت هذه الطريقة في السرد دون تجديد، فبدون شك ستصبح مملة.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج