أدت التفجيرات التي حدثت بالأمس في السويداء وأودت بحياة أكثر من ثلاثين شهيداً كان من بينهم قادة شيوخ الكرامة الشيخ أبو فهد وحيد البلعوس والشيخ فادي نعيم، إلى موجة عارمة من الاحتجاجات والتي تطورت إلى اشتباكات كان من نتائجها إخلاء غالبية الفروع الأمنية في المدينة، وتحطيم التمثال المركزي للقاتل حافظ الأسد في ساحة “السير” سابقاً، والتي تحولت إلى “ساحة الكرامة” عقب الأحداث.
وكان موكب شيوخ الكرامة قد تعرض لتفجير بسيارة مفخخة أثناء مروره بطريق ظهر الجبل، أعقبه تفجير آخر على باب المشفى الذي تم نقلهم إليه في محاولة للإجهاز على من تبقى منهم.
ورغم الضبابية التي لا تزال تغلف الأوضاع في المحافظة إلا أنّ ما تسرب حتى الآن من معلومات رغم الانقطاع شبه التام للاتصالات يشير إلى موقف جذري وعالي السقف ضدّ النظام الأسدي، وإلى حالة وعي عامة يبدو أنها لن تنخدع بعد اليوم بأكاذيب النظام الذي يتبجح بحماية الأقليات ويحاول إلصاق التهمة بجهات إسلامية متطرفة بات يرى الكثيرون أيضاً أن قسماً منها ليس أكثر من أدوات بيديه يستغلها عند الحاجة.
وفي هذا الصدد وجه بيان نُسب إلى بيرق الكرامة بقيادة شقيق الشهيد أبو يوسف رأفت البلعوس الاتهام المباشر “لزمرة وفيق ناصر وعصابة الأسد في السويداء”، كما “حمّل اللجنة الأمنية مسؤولية كل ما جرى ويجري من اغتيالات وزج الجبل في أتون هذه المواجهة الدموية”. وعلى هذا الأساس أعلن البيان “جبل العرب منطقة محررة من عصابات الأمن وزمرهم”.
لم يتسنَ لنا حتى موعد إعداد هذا التقرير الاتصال بالناشطين داخل المحافظة لأن النظام عمد إلى قطع تام لوسائل الاتصال، إلا أننا حاورنا عدداً من الناشطين من أبناء المحافظة والمتابعين لتفاصيل ما يجري من الخارج، وكان سؤالنا المركزي ضمن الهاجس العام في هذه المرحلة: هل سيتمكن النظام من احتواء الموقف كعادته هناك؟
الكاتب والسيناريست حافظ قرقوط يعتقد أن الأمور باتت خارج يد النظام تماماً، وقال في رد على سؤالنا: “لا أعتقد أن النظام سيستطيع السيطرة على الوضع والأمور خرجت عنه ولن تعود للخلف بكل المقاييس”. كما طمأن إلى أن الأمور لا تسير باتجاه الفوضى مؤكداً أن “الشباب بالآلاف يسيطرون على الأوضاع بما فيها حماية الممتلكات العامة والخاصة”.
أما الناشط والمدون السوري سامر المصفي فقد خمّن أن “النظام سيستميت لعودة المياه لمجاريها، ولا بد أن يقدم أثماناً باهظة لذلك.. أثمان أغلى من رأس وفيق ناصر وإقالة المحافظ هذه المرة”.
إلا أنه لفت من جانب آخر أن “من سيحتوي الموقف هو التيار الآخر، ما يسمى بـ (درع الوطن)، والصراع الحقيقي هو هنا وليس مع عناصر الأمن والجيش فهؤلاء هم الحلقة الأضعف”. وأضاف: “الآن عصا النظام الغليظة هي طريق الشام ورواتب الموظفين، وسوف يستثمر درع الوطن وحلفاؤه هذه العصا لمصلحتهم بهدف الوصول إلى الزعامة الكاملة بعد اختفاء البلعوس من الوجود. من هنا سيدخل النظام من هذا الثقب الضيق.. وصولاً لتبويس الشوارب و(ما بدنا فتنة).. “
وقدر المصفي أن النظام ربما سينجح إلى حد ما، إلا أن كل الاحتمالات مفتوحة بالنهاية. كما استبعد أي تصعيدات أخرى من جانب النظام كالقصف أو البراميل وغيرها فروسيا ستمنعه لأنها لن تخسر ورقة الأقليات بسهولة.
وحول السؤال لماذا يرتكب النظام جريمة كهذه إن كانت ستؤدي لخسارته ورقة الأقليات؟ أجاب المصفي: “الحقيقة هذا سؤال مشروع فعلاً، لكن بالنظر لخارطة غباء النظام وتعاطيه الهمجي مع جميع الملفات، وبالنظر لاحتجاجات المقربين منه في السويداء خلال الأيام الأربعة السابقة ومحاولته الفاشلة في تطويقهم بقطع الاتصالات، ومع تزايد التحشيد وارتفاع سقف المطالب من خلال استخدام العبارة المرعبة (الشعب يريد)، نجد أن النظام لا يزال يعتقد بأنه قادر على إرهاب الناس وإخضاعهم، وقد قرر هذه المرة باعتقادي قطع رأس المشكلة باغتيال البلعوس وتصفية الساحة لجماعته من فريق مشيخة العقل ودرع الوطن والدفاع الوطني”.
وختم المصفي حديثه بالقول: “لكن رغم كل شيء الأكيد بأن السويداء قبل 9/4 ليست هي السويداء بعد 9/4”.
الناشط المغترب سامي نوفل، إبن قرية مردك، رأى أن “الأحداث تأتي ضمن سياق تصاعدي لرفض كل ما هو قائم وموجود حاليا في سوريا، وكل ما جلبه النظام من دمار للبلد وضغوط اقتصادية واجتماعية على السويداء”. وفيما بدا أنه نداء موجه لكافة السوريين المعارضين أضاف نوفل: “النظام سيتمكن من تجيير الحدث اذا استمر التعامي الإعلامي الخارجي عن حقيقة ما يحدث، وإذا بقيت المعارضة السياسية آخذة خطأ تفسيرياً لا وطنيا للحدث”.
فيما استبعدت الناشطة فيروز دنون قدرة النظام على احتواء الموقف هذه المرة، مضيفة أنه “قد يحدث عنف مضاعف وافتعال فتنه وفتح الابواب امام داعش، اما اهالي الجبل فلا اعتقد أنهم سينظرون للوراء بعد اليوم”.
الناشط والمعتقل السابق حمد الطويل رأى أنه “كان لا بد من قيام ابناء السويداء بتحريرها وانضمامهم الى اخوانهم السوريين بثورتهم المجيدة، إلا ان المجتمع الدولي وقف حائلاً وأخر قيامهم بذلك بهدف مساعدة بشار في تدمير سوريا والسعي لتقسيمها، وأول هذه الدول السعودية التي منعت عنا السلاح وأججت الصراع الطائفي من خلال أدواتها بالمنطقة بعض الفصائل الاسلامية وجبهة النصرة، لكن بلغ السيل الزبى بأهلها وانتفضت لتسترد كرامتها”.
وفي تحليل قد يبدو غريباً أشار الطويل إلى أن النظام قد خطط لهذه المرحلة بعناية، بدليل “ان بعض الافرع الأمنية قد سلمت نفسها وهي خالية من الاسلحة تماما، ويمكن للنظام ان يسلم المحافظة لإدارة مدنية مع وجود شكلي له كما في الحسكة، وهذه بداية للتقسيم حيث سيضع الدروز في مواجهة المجتمع الدولي بحجة انهم هم من ارادوا ذلك كي يبرر لنفسه دويلته القادمة”.
الناشط سامر عامر أحد أعضاء تنسيقية شهبا أجمل الأمر بقوله “أن السويداء تُظلَم حين تتم مخاطبتها ككتلة صلدة دون الأخذ بعين الإعتبار أنّها مجتمع يشبه باقي الطيف السوري، فيها الموالي والمعارض والمشغول بأزماته التي خلقتها الحرب. ربّما تكون الأزمة المعاشية الخانقة هي القاسم المشترك بين شرائح هذا المجتمع والتي بدورها أنتجت الموقف الاحتجاجي أمام مبنى المحافظة، الشعور العام لدى الأغلبية بأن السلطة استقالت من مهامها أمام احتياجات المواطن مما أدّى إلى ارتفاع منسوب التحدّي والمواجهة”. ويضيف عامر معلقاً على النقلة الأخيرة: “حادثة التفجير أنضجت جرأة المواجهة ونقلت الاحتجاج الى المستوى النوعي في التعامل مع السلطة ورموزها (تمثال.. مؤسسات أمنية… الخ). أعتقد أن السويداء الأن أمام سيناريوهات صعبة: إمّا أن يعاقبها النظام بشكل جماعي، أو أن تقع تحت سطوة الفصائل التكفيرية، أو أن يتم تفجيرها من الداخل بإذكاء نار الفتنة بين شرائح المجتمع (موالي / معارض / مشايخ كرامة / مشايخ عقل…)، أخشى أن السيناريو الثالث هو الأقرب إلّا إذا تلاقت الإرادات وارتقى الوعي الجمعي إلى مستوى التهديد، عندها فقط يمكن تلافي الدم المجّاني وتلمّس ملامح العدو المشترك”.
كاتبة صحافية وناشطة سورية من الجولان المحتل، نائب رئيس تحرير طلعنا عالحرية.