افتتاحية الملحق الخاص بقضايا المرأة بقلم :يارا بدر
اثنا عشر عدداً أصدرتها مجلة “طلعنا عالحريّة” خصّصت أربع صفحات في كل منها لقضايا المرأة، حاولنا خلالها عرض قضايا إشكاليّة متنوّعة تعاني منها المرأة.. مقالات خطّتها نساء وخطّها رجال داعمون لقضايا المرأة، ولا ينظرون إليها كمفعولٍ به في العلاقة مع الرجل، بل كشريك فاعل وعلى قدر المسؤولية، كما تدل بعض الأمثال الشعبية في ثقافتنا، وهي الأمثال التي اختارت الأكثريّة الشعبيّة تجاهلها وإهالة التراب فوقها من طراز: (أنا جنّى وإنتِ بنّى).
وكي لا نشارك في عمليّة التجاهل للرواد في نظرتهم للمرأة كشريك درب، أو صاحبة مشروع، لا ككائن لا يصلح سوى لأن يكون محكوماً من الآخر، مسلوباً حقّه الإلهي والأوّلي في الاختيار، بل كائن يجني ويبني أيضاً، وفي ذات الوقت مثلّه مثل الرجل، ويتشارك معه في هذه الحياة بكل أوجهها.
وإنصافاً فإنّ الحديث عن المرأة السورية لن يكتمل دون الحديث عن رجال هم أشجّع الرجال، وأكثرهم نبلاً، رجال مثل “وائل حمادة” الناشط السياسي السلمي لسنوات طويلة، والذي لا يعرفه كُثرٌ ربما إلاّ مع حادثة اختطافه هو وزوجته المحاميّة والمدافعة عن حقوق الإنسان البارزة “رزان زيتونة” وزميلهما الشاعر والمحامي “ناظم حمادي” والمعتقلة السياسيّة السابقة “سميرة الخليل” قبل ثلاث سنوات في دوما التي تسيطر عليها فصائل عسكريّة مقاتلة.
وائل، الذي شرّفني بلقائه والتعرّف عليه حين وجدت نفسي وحيدة.. أهلي مسافرون وزوجي معتقل. عرض بكل أناقة استضافتي في منزلهم كي لا أبقى وحيدة.
وائل صامت معظم الوقت، هادئ كالبحر الذي تكون مغفّلاً جداً إن استخّفيت بهدوئه الظاهريّ، مُحبّب وطيّب، كريم وبسيط، لا يخشى القول بأنّ زوجته لا تحب الطبخ، ولا يخشى أن يدع لها مساحة الكلام الأعظم أو حتى أن يقف جانباً وهي تظهر تتوسّط شاشات التلفزة لتتحدّث عمّا يجري في الشارع السوري. أشك أنّ هناك مظاهرة شاركت فيها رزان والرفاق ولم يكن معهم وائل، أشك أنّ هناك عمل انهمكت فيه رزان ولم يكن وائل داعمها وسندها الأوّل، شريكاً وزميلاً في العمل، وسنداً في الحياة اليوميّة، في حياة التخفّي، في تجربة العيش في المناطق الخارجة عن سيطرة القوّات الحكوميّة، في الأفراح الصغيرة والأوجاع الكبيرة.
وائل، لمن لا يعرفه، امتلك دوماً نشاطه السياسي الخاص، ورأيه المُستقل، الذي لم يخش الإفصاح عنه والدفاع عنه. لكن وائل ببساطة رجل قليل الكلام، يحترم الصمت الذي وصفه “محمود درويش”: “يكون الصمت فأساً/ أو براويز نجوم”.
ووائل قد يكون- بحسب معرفتي- الأنموذج السوري الوحيد لرجل اعتقل على اسم زوجته وبسبب نشاطها الحقوقي المعارض، إذ في خريف العام 2011 اعتقل وائل وأخوه لمدّة ثلاثة أشهر لدى المخابرات الجويّة للضغط على رزان لتسليم نفسها، على العكس من سياسة النظام منذ الثمانينات باعتقال النساء للضغط على أزواجهنّ وأبنائهنّ وأخوتهنّ ليسلموا أنفسهم، وهي السياسية ذاتها التي اتبعها منذ آذار 2011.
كم يمتلك من شجاعة ذاك الرجل الفخور بزوجته، الشريك في مغامرتهما بالحلم بوطنٍ أجمل وأكثر احتراماً للكرامة الإنسانيّة. وكم يمتلك من حُبٍّ يُجابه به منظومة مُجتمعيّة متخلّفة لم تؤسّس سوى لمجموعة لا مُتناهيّة من الانطباعات السلبيّة المُسيئة لرجل بمثل هذا النبل.
نحن المراقبون الجانبيون لا نملك سوى انطباعاتٍ خفيفة كفلاشات كاميرا، لكنّ المواقف والواقع يتحدّث عن استثنائيّة هذه التجربة، ووحدهما رزان ووائل من سيتحدّث عنها يوماً ما بكل ما نشتهي من معرفة.. في انتظار ذاك اليوم، نعيد لهما ما قال “درويش”:
“أنا شاهدة القبر الذي يكبر
يا ريتا
أنا من تحفر الأغلال في جلدي
شكلاً للوطن..
نلتقي بعد قليلٍ، بعد عام
بعد عامين، وجيل…”!
محررة قسم المرأة في مجلة طلعنا عالحرية