بلغت متانة علاقة السوريين مع تطبيق التواصل المعروف واتس-آب درجة سمحت لهم بتدليعه، تحبباً أو تخففاً من عبء طول الاسم؛ فأصبح يعرف بينهم ب “واتس” أو “الواتس”. وغدا التطبيق الذي يستخدمه مليارٌ من البشر صديقهم المقرب في حلّهم وترحالهم، ليلهم ونهارهم، محادثاتهم صوتاً وكتابة، الجدي منها والهزلي، سمينها وغثّها، خطيرها وعابرها.
نعم، هذا ماحدث بالفعل، وقد لفت الأمر انتباه الإعلام في كل مكان، فكتبت الصحف عن شاب وثّق رحلته الشاقة والمحفوفة بالمخاطر إلى بلاد اللجوء في أوربا عبر “الواتس”، مخبراً ذويه وأصدقاءه بتفاصيل الرحلة “على الهواء مباشرة”، إلى أن وصل إلى مبتغاه، وأصبح “الواتس” بطلاً لهذه القصص طغى حضوره على أبطالها الحقيقيين من البشر الهائمين على وجوههم هرباً من حجيم الحرب.
وفي الأيام الأخيرة عرض في دبي فيلم أعدته المصورة الأردنية ليلى حبجوقة عنوانه “سوريا عبر واتس-آب”، يظهر استخدام السوريين للبرنامج في تبادل الرسائل للاطمئنان عن بعضهم، سيما في رحلات اللجوء أو بعد أن تتشتت العائلات في أماكن مختلفة بسبب الحرب، وظهرت بطولة “الواتس” جلية في الفيلم.
لم يحظ برنامج مثل واتس-أب بحب السوريين، وهو دون شك يتفوق على فيسبوك من حيث اتساع انتشاره وكثرة استخدامه. حتى أمي التي تبلغ السبعين من عمرها اتخذت لنفسها هاتفاً ذكياً وطلبت من ابنة شقيقي تنزيل “الواتس” لتتمكن من التواصل مع أبنائها وأحفادها الذين فرقتهم الحرب في بلاد الله الواسعة.
حتى وقت قريب كان “الواتس” برنامجاً سيء السمعة من النواحي الأمنية؛ فقد كانت مكالماته غير مشفرة، مما يعني أن مزود خدمة الانترنت يستطيع التنصت على محادثاتك ورسائلك، وكان يتعرض بين الحين والآخر لنقد خبراء التكنولوجيا لضعف مزاياه الأمنية. إلا أن شراء فيسبوك له ضمن صفقة خياليه بلغت تسعة عشر ملياراً من الدولارت، كان بداية لإحداث تغييرات ثورية في التطبيق. فمنذ حوالي العام بدأت الإدارة الجديدة بتطوير التطبيق ليصبح أكثر أماناً، وأدخلت عليه تقينات تشفير ممتازة لكنها لم تشمل سوى التطبيق على هواتف أندرويد فقط، مما يعني أن التراسل مع أجهزة أخرى لم يطرأ عليه أي تغيير. لكن الشركة لم تتوقف عند ذلك وأعلنت خلال الأسبوع الماضي بأن جميع الاتصالات والرسائل الثنائية والجماعية وعبر كل المنصات والأجهزة أصبحت مشفرة تماماً، وأن الشركة نفسها لا تستطيع التعرف على مضمون هذه الاتصالات.
يأتي هذا التطور في خضم جدل واسع في الولايات المتحدة الأمريكية حول الخصوصية، بعد رفض آبل فك تشفير هاتف أحد المتورطين في أعمال إرهابية في الولايات المتحدة، وتضامن عمالقة التكنولجيا بما فيهم فيسبوك، المالك لواتس-أب، معها.
أصبح “الواتس” أكثر أماناً دون شكّ، لكن الأمر لا يخلو من بعض الجوانب التي ينبغي الحذر منها. فالبرنامج مملوك لشركة أمريكية، وكما تقول الشركة فإنها، رغم عدم قدرتها على معرفة مضمون المراسلات، تقوم بالاحتفاظ بسجلات التراسل والتي تشمل رقم الهاتف، ومعلومات عن الجهاز أو الأجهزة والوقت، وهي معلومات ثمينة جداً بالنسبة لأجهزة الاستخبارات حين تحصل عليها. والبرنامج على رغم استخدامه لتقنية تشفير مفتوحة المصدر، إلا أن (الكود) الخاص به ليس كذلك، مما يعني عدم قدرة الأطراف الأخرى على تدقيقه لمعرفة حقيقة ما يقوم به. ولا يمكّن واتس-آب مستخدميه من معرفة مفاتيح التشفير أو الاحتفاظ بها أو نسخها، وهو عيب يثير حفيظة الخبراء. ولازال العيب الأكثر وضوحاً في “الواتس” هو قدرة أي مستخدم من جهات الاتصال الخاصة بك على إضافتك لمحادثات جماعية (مجموعات) دون معرفتك، مما قد يسبب لك الضرر، حيث سمعنا مراراً عن اعتقال أشخاص بسبب وجودهم في مجموعات على “الواتس” لم يكونواعلى دراية بها ويتحدث من فيها “شروي غروي” مما لايستنسبه رجال الحواجز التي تفتش هواتف عابريها.
لازال باعتقادي أن البرنامج الأكثر أماناً هو “سيغنال” والذي يقوم بجميع وظائف واتس-آب ويتفوق عليه بالمزايا الأمنية الكاملة التي لا تترك مجالاً للقلق أو الشك، لكن “الواتس” خطا خطوة جيدة نحو الحفاظ على أمن وخصوصية مستخدميه المليار، وهو ما يفسر المبلغ الهائل الذي بيعت به الشركة، ففيسبوك اشترى عدد المستخدمين ولم يشتر التطبيق، وهي ثروة من المستخدمين لا تقدر بالنسبة لشركة يشكل الإعلان الذي يقوم على معرفة بيانات المستخدمين، الجزء الأكبر من ريعها.
خلاصة الكلام، إن سألتموني، فسيغنال هو الخيار الأفضل، والواتس لازال، رغم كل ما تقدم، في موقع ضبابي بالنسبة لي.
مشروع سلامتك