لقد اختار النظام إعلان الحرب على شعب ضعيف هتف للحرية لا للإسلامية، للديمقراطية لا للخلافة، للعدل لا للقتل، لم يكن السوريون الشباب يملكون قطعة سلاح واحدة، أنا أذكر كيف دافع أهل الخالدية في حمص عن مظاهراتهم بالحجارة، لكن وفيما بعد وحين رفض بشار الأسد فكرة المصالحة، وخاف من العدل، واستشرس دفاعاً عن منصبه غير الشرعي، وأمر الجيش بمحاربة الشعب، تسلّح الشباب السوري. فيما بعد طالت الحرب وتسلّحت الثورة بعد سنة من مقاومتها -سلمياً- جيش النظام، ثم ظهرت النصرة ثم داعش ثم قوات الحماية الكردية وغيرها.
من يذكر الضابط في “الجيش السوري” الذي تقدم إلى عناصر “الجيش السوري الحر” في الغوطة الدمشقية حين أعطوه الأمان فقال لهم: “أنا درست في الكلية الحربية على حسابكم ونحن إخوة لكن يأتي ابن حرام ويخربها علينا كلنا”، ثم عاد الضابط إلى صفوف قواته وعقدت شبه هدنة على تلك الجبهة، ليتم اغتياله من قبل قوات النظام في الأيام القليلة التي تلت هذه الحادثة. من يذكر أبو الفرات حين قال: “والله إني حزين فهؤلاء إخوتنا وهذه دباباتنا”، ثم تم اغتياله في الأيام القليلة التي تلت هذا التسجيل أيضاً!
نعم في تلك المرحلة كان ما يزال هناك وجود لوعي سوري بين الأطراف المتحاربة يفوق وعي من يمولهم، إن كان النظام وإن كان مقاتلو المعارضة -ولو أن من قاتل مع النظام فهو من بدأ الظلم-، ولكن كان علينا أن نعرف أن اغتيال أبا الفرات والضابط النظامي هو تحول في مجرى الأحداث إلى حرب دولية؛ فأمريكا وبأدواتها العربية تريد حل مشاكلها الداخلية والخارجية بإشعال حرب، وكان هذا بالضبط ما يريده النظام الذي أشرك حزب الله بأمر إيراني، ثم تدخلت روسيا التي تخوفت على مصالحها من إيران نفسها.
جرت العادة أن يقوم أحد الأطراف المتحاربة –الأكثر خسارة- بالتقدم بطلب هدنة إلى الطرف المعادي، وبعد عدة مفاوضات ولقاءات يتم التوقيع على الهدنة من قبل الأطراف المتنازعة التي قامت بالتفاوض. لا يهدف الطلب إلى وضح حدّ إلى الحرب ولكن لوقف العمليات، لتجنب الإذلال من الطرف الآخر، وهي تجبر الطرف الأضعف على التخلي عن جزء من أهداف حربه الأصلية.
لكن في الحالة السورية ليس للسوريين علاقة بالحرب ولا بالهدنة، فأمريكا وروسيا هما من تهادنتا والنظام السوري هو من تعرّض للذلّ؛ لأنه ظهر بمظهر الضعيف أمام مؤيديه، بدءاً من جنيف وحتى إعلان الهدنة.
تظاهر السوريون -عوداً على بدء- ليرموا خمس سنين من الحرب والموت والألم خلف ظهورهم، منادين بما نادوا به من اليوم الأول “الشعب يريد إسقاط النظام”، لذلك فالسوريون مع الهدنة التي أذلت بشار الأسد وجعلت رحيله عبر عملية سياسية أكثر سهولة، وهذا ما ستثبته المفاوضات إذا كانت المعارضة شاطرة، فالشعب عاد للتظاهر في مناطق سيطرة الجيش السوري الحر، وبزخم غير متوقع من قبل أكثر المتفائلين، ودون رصاص وبراميل هذه المرة، بل مع هتاف واحد واحد واحد الشعب السوري واحد! ومع ابتسامة رسمها من صرخ متندراً “لك دخيلو الصاروخ الواقف بالإرنة شو مو داخل بالهدنة”.
ويبدو فعلاً أن الثورة مستمرة، ويبدو أن عودها على بدئها أزعج وأحرج المرجفين المشككين في هتاف الشعب يريد إسقاط النظام.
نبيل شوفان صحفي سوري عمل في العديد من التلفزيونات والإذاعات العربية والسورية وله مقالات رأي وتحقيقات استقصائية في العديد من الصحف