رولا أسد
لفهم السياق السوري فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين وتصوير النساء في وسائل الإعلام بشكل خاص، لابد من النظر وفهم تاريخ وسائل الإعلام في سوريا قبل ثورة ٢٠١١، على مدى مايزيد عن خمسة عقود، كان قطاع الإعلام في سوريا محتكراً ومملوكاً من قبل نظام حكم تسلطي، وكان خطابه مكرّساً لخدمة حكم الحزب الواحد، حزب البعث، وعلى الرغم من أنّ العقد الأخير شهد بعض الانفتاح لكن الإعلام بقي خاضعاً لذلك النظام وبشدة. تجلّت نتائج التسلط في التعامل مع قضايا النساء على أنها مواضيع ثانوية كغيرها من المواضيع المتعلقة بالحقوق والحريات والتنوع القومي والإثنّي في سوريا، وعند تغطية هذه المواضيع من قبل الإعلام كانت الصور النمطيّة للنساء هي السائدة، وقد عنى ذلك حصر النساء بعدد محدود من المواضيع، مثل قضايا العائلة، الصحة وبشكل خاص الصحّة الإنجابيّة وقضايا الجمال على نمط “لك فقط سيدتي”.
من جهة ثانية، ساهم السياق السوري الحالي في إبراز القضايا البُنيويّة المرتبطة بالحقوق والعدالة والمساواة بين الجنسين، وأثرّ صعود الجماعات المسلحة واستبدادها في محتوى ونطاق تغطية وسائل الإعلام الناشئة بعد 2011، والمطبوعة منها على وجه الخصوص.
حتى المجموعات المسماة “معتدلة” هي أيضاً استبدادية عندما يتعلق الأمر بالنساء، فهي على سبيل المثال، تحدّ من عمل الصحفيات عبر منع حركتهن ما لم يكنّ برفقة ذكر محرم، كما تراقب الكثير من هذه الجماعات وسائل الإعلام الناشئة على الأرض، ولا سيما ما يتعلق من عملها بتغطية قضايا النساء. وهذا أكده 20% من وسائل الإعلام الناشئة المشمولة بالبحث الذي أجرته “شبكة الصحفيات السوريات” لعام 2016، أي أنها لا تستطيع نشر مواضيع معينة حول النساء إلاّ عبر المواقع الإلكترونية بسبب تلك الرقابة، في حين يلتزم عدد من تلك الوسائل نوعاً من الرقابة الذاتية مقدماً.
في حين يبدو أنّ الحديث عن النساء وحقوقهن وحتى تصويرهن موضوعاً قد تمّ التطرق له كثيراً، إلا أنّ النظر لكيفية تعاطي الإعلام مع هذه القضايا يمرّ عبر مراحل متعددة، ليس فقط على صعيد المحتوى وفهم السياق العام، وإنّما أيضاً على صعيد عمليات الإنتاج، والتي تؤثر في تصوير النساء بدءاً من اختيار الموضوع، ويتجلى ذلك في تغطية مواضيع تتمركز على العنف وإظهار النساء على أنهنّ ضحايا. وعلى الرغم من القيود والنواقص الكثيرة المتعلقة بتصوير النساء في وسائل الإعلام، هناك دليل على الجهود المبذولة لتحدي الصورة النمطية للنساء، وهناك اتجاه صغير، لكنه مهم، لتغطية تجارب النساء وقصص نجاحهن. ويبدو أيضاً أنّ هناك علامات إيجابية على أن بعض وسائل الإعلام الناشئة تملك فهماً جيداً للتحيزات الجندرية ضدّ النساء، ويبقى السؤال متى ستترجم هذه النوايا الطيبة إلى أفعال وكيف.
وقد لوحظ أنّ حجم تغطية المواضيع الخاصة بقضايا النساء صغير (بالكاد يبلغ 200 مقالة في السنة في أفضل الحالات)، وتزداد هذه التغطية في مناسبات معينة مثل يوم المرأة وعيد الأم، لكنها تعود إلى النسيان من جديد بعدها، ويبدو أن القرارات المتعلقة بهذه التغطية هي، على الأغلب، قرارات مخصصة لمناسبة معينة وبحسب الظروف على الأرض. وكان معظم القائمين على اتخاذ القرارات رجال، وإليهم يرجع قرار التغطية.
تلعب الأيديولوجيات السائدة في كيفية تقديم النساء، وفي الحالة الإعلامية السورية الناشئة يبدو من الصعب تحديد المواقف الإيديولوجية لتلك الوسائل، إذ غالباً ما تبدو الخطوط بينها غير واضحة، حيث إن عدداً منها مايزال في مرحلة جنينية، ولا يمتلك هوية واضحة. والاتجاهان الأيديولوجيان العامان اللذان لوحظ أنهما يؤثران في تصوير النساء هما: الأيديولوجيا الليبرالية/العلمانية، والأيديولوجيا الدينية. وغالباً ما تتشابك الخطابات القومية والبطريركية مع كل منهما.
كذلك أظهر الاتجاهان افتراضات متشابهة حول النساء تعتمد، على الأغلب، على المواقف الاجتماعية ومواقف الكتّاب من مساواة النساء بالرجال. وتنطوي المواقف الشائعة على: نقص الإيمان بقدرات النساء، والقناعة بأنّ النساء تابعات للرجال، والتفكير بأنّه من الممكن استخدام النساء بوصفهنّ أداة مفيدة لزيادة التعاطف في حال صُورنّ على أنهنّ ضحايا.
لايقف تحليل الخطاب الإعلامي اليوم عند حدود النص؛ فالأدوات الأخرى المرافقة كالفيديو والتصوير الفوتوغرافي تلعب دوراً كبير في رسم نمط معين في أذهان الجمهور حول قضية معينة. وقد تبيّن وجود نقص في وسائل الإعلام الناشئة من حيث الاستخدام الفعال للغة البصرية. والتفسيرات الممكنة لذلك قد تكون التصورات الخاطئة حول وظيفة الصور المرفقة بالنص، أو نقص التمويل المستهدف. فقد بالغت الصور المستخدمة في وسائل الإعلام الناشئة عموماً في تصوير النساء اللاجئات كضعيفات وفقيرات ومنكسرات، مقدمة بذلك صورة نمطية محدّدة عن النساء السوريات، وبالتالي هناك حاجة لأن يولي منتجو وسائل الإعلام الناشئة ومحرروها مزيداً من الاهتمام بالسياق، وأن ينتقوا الصور الأكثر ملاءمة له. كما أنّ هناك حاجة أيضاً لأن يكتسب العاملون في وسائل الإعلام الناشئة والمكلفون بانتقاء الصور مزيداً من المعرفة والخبرة في هذا المجال.
كل هذا لاينكر الجهد الذي تبديه وسائل الإعلام السورية الناشئة في إنشاء موجة جديدة من إعلام ثوري وحرّ، مع إيلاء أهمية خاصة لقضايا الحقوق والحريات، إلاّ أنها تعمل في سياق معقد وصعب وغير آمن سواء داخل سوريا أو خارجها، وسواء كانت قادرة على التحكم في تأثير السياق الخارجي أم لا.. وفي حين كانت قادرة على التأثير في إنتاج الخطاب الخاص بها، فإن القضية الكبرى تكمن في فشل الخطاب في تحدي المظالم البنيوية.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج