صباح الحلاق
يقال “رب ضارة نافعة” ولو أنّ هذه الضارة كانت كبيرة بحجم تدمير البلد واستشهاد مئات الآلاف من أبنائها وبناتها.
قسم كبير, وقد يكون الأعظم, من النساء النازحات واللاجئات هنّ نساء فقدن أزواجهن أو أبنائهن المعيلين للأسرة, ممّا حدا بأغلبيتهن للبحث عن العمل على الرغم من انعدام المهارات التي يتطلبها السوق, إضافة إلى الأميّة المنتشرة بكثرة بين صفوفهن. وأضحت المرأة السورية اللاجئة والنازحة تقوم بجميع الأدوار في الحياة التي عادة يتقاسمها أفراد الأسرة ويتعاونون مع بعضهم على أدائها.
حين نتحدّث عن الأدوار في الحياة فنحن نشير إلى الدور الإنجابي الذي اعتادت النساء، نتيجة للأعراف والتقاليد الاجتماعية, والموروث الديني, أن تقوم بكل ما يتطلبه هذا الدور من مهام. لكننا نشير أيضاً إلى دورها الاجتماعي وهو غير مُكتمل, في حين كانت المرأة السورية مُقصاة عن الدور الإنتاجي. اليوم, فإنّ ممارسة النساء هذه الأدوار مجتمعة قد غيّرت الكثير في شخصية نسائنا, فقد اكتشفن فجأة أنهنّ يملكن القوة والشخصية والتفكير السليم لتأمين لقمة العيش الكريمة للأسرة, وأنهنّ قادرات على تدبير الأمور الحياتية اليومية رغم الصعاب التي تواجهنها يوميّاً.
إلا أن العقلية الذكورية المُسيطرة في المجتمع, والتي تنمّط أدوار النساء وصورتها, وتحمّل النساء مسؤولية صون “الشرف والعرض” من وجهة نظر المجتمع إضافة لأعبائهنّ الكبيرة, الأمر الذي يترتب عليه تقييّد حركة الفتيات والأمهات الصغيرات بالسن. لكن ظروف الحرب, التي وجدت النساء السوريات أنفسهنّ يعشنها دون أن تختار أو حتى تستشار معظمهنّ, وخاصة أولئك النسوة اللواتي كُنّ قاطنات في الريف السوري المُهمّش, ساهمت هذه الظروف على قسوتها في كسر بعض من الصور النمطية المعروفة في المجتمع عن من هي المرأة وما هو المتوقع منها القيام به. وها هي “أم محمد من دوما” تقول: (اليوم نحن نتظاهر من أجل إسقاط النظام, وبعده سنتحاسب ورجالنا الذين حبسونا في المنزل طيلة العمر).
وتقول “أم سليم”: (عليّ إطعام أطفالي الخمسة, ولا معين. لذلك أعمل عملين في اليوم القصير. أنظف المنازل وأبيع حلاوة السميد, ولذلك أترك أطفالي برعاية بعضهم البعض).
السؤال الذي يفرض نفسه في مقابل هذه القوّة النسائيّة الجبّارة على صناعة الحياة, هو: هل وظّفت الأموال التي تقدّم لدعم المشاريع الصغيرة لتمكين النساء؟
تجنباً للتعميم الذي غالباً ما تكون نتائجه مجانبة للصواب, يمكننا القول إنّ القليل من هذه المشاريع دعمت أسر المرأة المعيلة وساعدت في تأمين لقمة العيش، في حال توفرها بالأسواق. أمّا مشاريع تمكين النساء بالأعمال اليدوية “صوف وخياطة وتطريز ….” فإنّها لم تلق نجاحاً كما هو مأمول لعدم دراسة احتياجات السوق, والبيئة المحيطة كما حصل ويحصل في لبنان.
الأمر الذي يفرض علينا الانتباه إلى أنّ هذه المشاريع ليست السبيل الوحيد لتمكين النساء, لأنّ التمكين الاقتصادي يجب أن يرتبط جدلياً بالتمكين الاجتماعي بهدف تمكين النساء من اتخاذ القرار بمواردهن والتحكم بها واكتشاف قدراتهن.إذ إنّ حصول النساء على قرض مالي ما لا يخولها ليس كافياً في كثير من الأحيان لأنّ يكون لها سلطة اتخاذ القرار الأفضل حول كيفيّة توظيف هذا المبلغ المالي في تقرير احتياجات الأسرة في حال وجد رجل من العائلة هو من يسيطر على القرار, ولو كان ابنها؟ كما تحكي لنا “أم سعيد”: (أنا أعمل في صناعة الأجبان في منزلي, وأقضي حوالي 7 ساعات يوميّاً في العمل إضافة لقيامي بأعمال المنزل، وأبني سعيد يبيع الجبن ويتدخل في صرف الربح اليسير الذي أحصل عليه ، فقد اشترى دراجة نارية لتسهيل عمله في بيع الجبن وتراكمت علينا الديون؟ بينما كنت أرغب في شراء غسالة بحوضين كي أخفف أعباء الأعمال المنزلية عليّ, والله تعبت من كتر الشغل وما حاسة أني قادرة آخذ قرار يريحني).
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج